بايدن والسياسة الأمريكية حيال سوريا.. الحاضر والغائب فيها
أسامة آغي
الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في 26 من كانون الثاني الحالي، ناقش مسائل عديدة تهم الجانبين، لكنه لم يعرّج على القضية السورية. وشمل الاتصال التطرق لاتفاق بشأن تمديد معاهدة “ستارت 3″، الخاصة بتقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية بينهما، وكذلك أبلغ بايدن بوتين قلق الولايات المتحدة إزاء اعتقال الأمن الروسي المعارض أليكسي نافالني وبعض أنصاره، والوضع الأوكراني.
الغائب عن المحادثة الهاتفية بين بايدن وبوتين، كان ملف الصراع السوري، وهذا يكشف من الجهة الأمريكية، استمرار غياب استراتيجية أمريكية ملموسة متكاملة، حيال حل ملموس وواقعي للصراع السوري، يقوم على مضمون القرار الدولي “2254” الصادر عن مجلس الأمن في نهاية عام 2015.
أمام بايدن سوريًّا، تعقيدات ميدانية وسياسية واضحة، هذه التعقيدات، تشمل العلاقة بين الولايات المتحدة وحزب “PYD”، ووجود القوات الأمريكية في سوريا، وتحديدًا في شمال شرقي سوريا (الجزيرة والفرات)، وما ينتج عن هذه العلاقة من خلافات بين الأمريكيين وتركيا من جهة، والضرر الواقع على السكان العرب وغير العرب نتيجة هذه السياسة.
وهناك مشكلة تتحدث بها الإدارات الأمريكية المتتالية (إدارة أوباما التي كان بايدن يشغل فيها منصب نائب الرئيس، وإدارة ترامب، والآن إدارة بايدن نفسه)، هذه المشكلة هي وجود وتهديدات تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) بإقامة خلافة إسلامية، يعتبرها الأمريكيون تهديدًا لمصالحهم، ومصالح حلفائهم الاستراتيجية، هذه المشكلة هي التي تقف خلف ادعاءات الأمريكيين بضرورة بقاء قوات عسكرية أمريكية لمحاربة هذا التنظيم المتطرف.
ولكن الإدارات الأمريكية المتتالية، لا تزال عاجزة عن حل مسألة الأمريكيين المحتجزين لدى نظام الأسد، وفي مقدمتهم الصحفي الأمريكي أوستن تايس.
أمام هذه اللوحة، يمكن التذكير بأن حملة بايدن الانتخابية لم تقترب من أي طروحات حل، أو موقف يخصّ حلّ الصراع في سوريا، لكن إدارة ترامب في آخر أيامها، وتحديدًا في 10 من كانون الأول 2020، مرّرت للكونجرس مشروع قرار يحظر على إدارة بايدن الاعتراف بنظام الأسد، كحكومة سوريّة شرعية، أو حق بشار الأسد في الترشح لأي انتخابات مستقبلية في سوريا.
أمام هذه اللوحة، كيف يمكن لإدارة بايدن أن تدير الدور الأمريكي في ملف الصراع السوري؟ فالخيارات الأمريكية ليست خارج التعامل مع الواقع الموجود على الأرض، وهذا الواقع يمكن تحديده بسهولة، ولكن معالجته، وطريقة التعامل معه، ليست بالسهولة ذاتها.
فالإيرانيون، عبر قوات ما يسمى “الحرس الثوري”، إضافة إلى الميليشيات الشيعية المتعددة الجنسيات، لا يزال نفوذهم العسكري والسياسي والاقتصادي يتوسع في سوريا يومًا وراء يوم، وإن حلًا سياسيًا بوجودهم لا يمكن أن يحدث، وفق تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالصراع السوري، وهذا يحيل وجودهم في سوريا باعتباره عقبة جدية أمام حل الصراع، وفق تلك القرارات، وذلك، لأن المشروع الإيراني في دول الشرق الأوسط العربية، يقوم على الهيمنة والسيطرة على شعوبها ومواردها الاقتصادية، عبر استخدام القوة العسكرية المحمية ببرنامجها النووي، وعبر استخدام الأيديولوجيا الدينية (المذهب الشيعي).
إدارة بايدن لا يمكنها أن تُغفل الوجود والنفوذ الإيراني في بلدان عربية عديدة، مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وهذا يتطلب من بايدن وفريق عمله أن يتم ربط العودة إلى الاتفاق النووي “5+1” بشروط جديدة فعّالة، منها برنامج إيران الصاروخي الباليستي، ومنها خروجها وعدم تدخلها في دول المنطقة.
عدم الإغفال يتطلب برنامجًا واضحًا، وأهم ما فيه، الاعتماد على قوى تعادي الوجود الإيراني وتقاومه، وفي مقدمة هذه القوى، فصائل المعارضة السورية، التي يميل أنتوني بلينكن، وزير خارجية الولايات المتحدة الجديد، والمقرّب جدًا من جو بايدن، إلى رؤية أن يُفرض الحل الأمريكي من خلال تسليح المعارضة وبتعاون مع حليفة الولايات المتحدة تركيا.
ولكن لا يمكن للأمريكيين إغماض أعينهم عن الوجود الروسي في سوريا، وأهداف هذا الوجود على المديين القريب والبعيد، وتهديد هذا الوجود للمصالح الأمريكية في المنطقة.
هذه الرؤية ليست الوحيدة بالنسبة لإدارة بايدن حيال حل الصراع في سوريا، فالتفاهم الممكن مع تركيا، يمكنه أن يلعب دورًا إيجابيًا لمصلحة سياسة الولايات المتحدة وحلفائها، ونقصد بالدور الإيجابي إعادة ترتيب أولويات العلاقات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، فليس طبيعيًا تجاهل حليف كتركيا، التي تمتلك أقوى جيش في الشرق الأوسط عدة وعتادًا، ويأتي ترتيبها الـ11 على مستوى قوة الجيوش في العالم.
كذلك تملك الولايات المتحدة قوة قانون “قيصر”، وتفعيله لدرجات قصوى، لإجبار النظام على الانخراط الفعلي والجدي في تحقيق التسوية السياسية، وفق القرار الدولي “2254”، فالنظام لن يستطيع الصمود أكثر، إذا زادت الولايات المتحدة من فعالية قانون “قيصر”، مع ضغوط عسكرية جديّة لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين من سجون الأسد.
إن موقف الولايات المتحدة من القضية السورية لم يتغير مع مجيء بايدن إلى البيت الأبيض، من ناحية منع تقديم أي دعم لإعادة إعمار سوريا، قبل انخراط النظام بالتسوية السياسية، وبالتالي، هي معنية بإعادة صياغة موقفها وتعاونها مع الروس بالملف السوري، ومن المحتمل أن يرتكز هذا التعاون على محاولة إقناع الروس بقبول فرض الحل السياسي الأممي على سوريا، مقابل تحسين علاقات الغرب معها.
إن وجود استراتيجية أمريكية نحو سوريا، ولو كانت قريبة المدى، سيساعد على شقّ طريق حل سياسي، يأخذ بالاعتبار مصالح السوريين، الذين عانوا الأمرين على مدى عشر سنوات من الصراع، الذي كان من الممكن أن تحسمه إدارة أوباما، التي كان بايدن نائبًا للرئيس فيها، لكنها لم تفعل، ليس لأنها كما يدعي البعض لا تمتلك رؤية استراتيجية للصراع في هذا البلد، بل يمكن القول إنها كانت لا تريد لهذا الصراع أن ينتهي في أجل قصير، تماشيًا مع رؤيتها للصراعات في المنطقة والعالم.
لهذا يمكن القول، إن إدارة بايدن أمامها خيارات متعددة للتعامل مع الملف السوري، من هذه الخيارات تعميق تعاونها مع تركيا، وتقديم الدعم لها ضد أي محاولات لتغيير الواقع الميداني في إدلب أو في شمالي سوريا، من قبل النظام وحلفه الروسي- الإيراني، والدفع باتجاه تغيير سياسة حزب “PYD” من واقعها الحالي المتشابك مع حزب “العمال الكردستاني”، إلى التنسيق والتعاون مع قوى الثورة والمعارضة السورية، بغية خلق جبهة واحدة لفرض الانتقال السياسي من نظام الاستبداد إلى نظام دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تحفظ حقوق مكوناتها الوطنية على قاعدة المواطنة الواحدة.
وهناك احتمال أضعف بإمكانية انزياح الموقف الأمريكي الحالي، بحيث تتجه الولايات المتحدة لتقارب سياسي مع الدول الضامنة لاتفاقات “أستانة” و”سوتشي”، هذا الموقف يبدو أنه متعارض مع جوهر الموقف الأمريكي الذي لا يريد أن يوزع الكعك على المتورطين الخارجيين بالصراع السوري، ولا يريد مكافأة نظام الأسد على غرقه بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، موقف دول “أستانة” ظهر بذهاب مسؤوليها إلى جنيف، لمنع انفراط عقد جلسات اللجنة الدستورية، باعتباره تذكيرًا للأمريكيين بوجودهم.
حتى اللحظة لم يتبلور موقف نهائي لبايدن وإدارته من الصراع السوري، ولكن كل المؤشرات وحديثه مع بوتين، لا توحي باتفاق قريب مع روسيا في سوريا، التي بقيت قضيتها حاضرة غائبة
المصدر : عنب بلدي