الظروف المعيشية تزيد المخاوف من “انفجار” كورونا شمال سوريا
عمر الحاج أحمد
مع التزايد المستمر للإصابات بفيروس كورونا شمال سوريا، تزداد قساوة الظروف المعيشية الصعبة أصلاً على المدنيين في المنطقة، الأمر الذي يطيح بآمال السيطرة على هذا الوباء بمحاولات إقناع الناس بضرورة اتخاذ تدابير السلامة.
“ربطة الخبز أَوْلى من الكمّامة”، كلماتٌ قالها “أحمد الموّاس” أحد بائعي الخضار في سوق إدلب لأورينت نت، عند سؤاله عن عدم التزامه بأساليب الوقاية، وأضاف “ظروف الحياة المعيشية أجبرتنا على التخلّي عن الكثير من الحاجيات الضرورية، فالكمّامة التي سعرها ليرتين تركيّتين ابني أولى بها كي لا يموت جوعاً، لهذا تخلّيت عنها مقابل إطعام أبنائي، ومثلي الكثير ممن تخلّوا عن هذه الإجراءات مقابل إطعام وتعليم ورعاية أُسرهم”.
في حين، اعتبر “معن الخالدي” والذي يعمل في أحد مطاعم مدينة إدلب، أنّ أغلب العمّال يعملون بصيغة (مُياوم – يومي)، فمَن يعمل يعش ومن لا يعمل قد يجد نفسه في العراء ثاني يوم.
ويتابع الخالدي “كيف سنحجر أنفسنا في المنازل التي نستأجرها بأعلى الأسعار، وبالكاد عملنا يغطي نفقات الأجور والقليل من مستلزمات البيت الضرورية جداً، وحتى من يسكن الخيام فعمله اليومي لا يُغطي أقل نفقاته اليومية، فكيف لهؤلاء أن يحجروا أنفسهم وحياتهم مرهونة بعملهم اليومي خارج إقامتهم؟”.
وكما الكثير يتمنّى “عماد الحسن” الذي يُقيم بأحد مخيّمات الشمال السوري، أن يحمي نفسه وعائلته من جائحة كورونا ويتّخذ كل تدابير السلامة بشأنها، لكن ظروف المعيشة أجبرته على ترك ذلك.
يؤكد الحسن، قائلاً: “نحن مثلاً نُقيم بأحد مخيمات بلدة قاح ضمن مساحة لا تتجاوز 10 هكتارات وفيه أكثر من 7000 شخص، فكيف سنتباعد اجتماعياً في ظل هذا الزّحام، وكيف سنحجر أنفسنا في خيام لا تمنع عنّا غبار الطرقات والمقالع حتى تمنع عنا فيروس كورونا”.
وما يزيد الطّين بلّة، بحسب النازح السوري، هو الحمّامات المشتركة وسواقي المجارير العابرة لأرجاء المخيّم.
وكان الشمال السوري المحرر سجل حتى يوم أمس 4281 إصابة مؤكدة بالفيروس، وسط تكهنات بارتفاع الحصيلة في المستقبل القريب.
وترى خبيرة الصحة المجتمعيّة إيناس بديوي أن الظروف الحياتيّة الصعبة وقلّة الوعي المجتمعي لمثل هذه الجائحات، كانت سبباً بانفجار كورونا السريع وبشكل أكبر من المتوقّع.
وتعتبر الكثافة السكانية لمخيمات الشمال والمدن الرئيسية في شمال غرب سوريا، وقلّة الوعي المجتمعي في مثل هذه الحالات الوبائية، والأساليب المتّبعة من المنظمات والجهات المسؤولة، هي أهم أسباب هذا الانفجار الهائل للوباء، تؤكد البديوي، وتتساءل “فكيف منظمة تُقدّم نصائح وأساليب الرعاية وبالمقابل منظمة أخرى أو نفس المنظمة تقوم بتجميع الناس لتوزيع السلل الإغاثية؟!”.
البديوي لفتت في حديثها لأورينت نت إلى أن أغلب الأهالي يعتبرون فيروس كورونا أقل الأخطار التي أحاطت بهم خلال السنوات العشر الأخيرة، فبنظرهم أن من عايش التصعيد العسكري والأمني وموجات النزوح والإقامة بأسوأ الظروف لن يُرعبهم فيروس أشبه بفيروس الكريب.
مَخاوف وتداعيات
يتخوف مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، المهندس محمد حلّاج من انفجار أكبر بحالات كورونا المسجّلة في شمال غرب سوريا، قائلاً “وصلت حالات كورونا الإيجابية إلى أكثر من 300 حالة يومياً، وهو رقم كبير جداً، ولكن من المتوقّع ازدياد هذا العدد لأكثر من ذلك بكثير خلال الأسبوعين القادمين”.
وأرجع حلاج سبب هذا التزايد لعدة أسباب منها: “الاستهتار الكبير من قبل الأهالي بالفيروس ، بالإضافة إلى الحالة الاقتصادية المزرية لهؤلاء الأهالي حتى إن بعضهم يضطر للعمل وهو مصاب، والسبب الثالث هو ضعف الاستجابة الإنسانية من قبل المنظمات المعنيّة بذلك، ولهذا كنّا نجد منظمات تُقدّم حملاتها التوعوية دون تقديم الكمامات مثلاً”.
وطالب حلّاج الجهات المسيطرة على الأرض والمنظمات المعنية بزيادة الاهتمام أكثر، فليس من المعقول إرسال المصاب للحجر بمنزله دون متابعة هذا الحجر وتطبيقه بشكل حقيقي، عدا عن وجود ضمان اقتصادي للأهالي وأقل ما يمكن بتوفير المستلزمات الطبية والغذائية ولو بحدّها الأدنى، بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون هناك صرامة أكثر بتطبيق حالات تخفيف التزاحم والاختلاط الكبير بين الأهالي كالأسواق وافتتاح المطاعم والمهرجانات وغيرها من الفعاليات، وإلا فالوضع ذاهب إلى “كارثة كبرى” يصعب السيطرة عليها، لا سيما أن أعداد المصابين بفيروس كورونا ستزداد أضعاف هذه الأرقام، حسب مسؤول في “منسقو استجابة سوريا”.
إجراءات دون جدوى
من جانب آخر، أشار وزير الصحة في الحكومة المؤقتة، الدكتور “مرام الشيخ” إلى أن وزارة الصحة وضعت مع المنظمات الإنسانية العاملة في شمال سوريا خطة استجابة ضمن فريق (تاسك فورس)، وذلك منذ بدايات الاستجابة لفيروس كورونا.
وقال الشيخ لأورينت نت: “بكل محفل شاركت به وزارة الصحة، كانت تؤكد أن الدراسة التنبؤية التي أجرتها اللجنة العلمية التابعة لفريق الاستجابة تُشير إلى أن منتصف شهر 11 هو ذروة حالات كورونا، إلا أنه دون جدوى”.
وبحسب الشيخ، فإن الوزارة تدرس حالياً بعض الخيارات والإجراءات التي يجب تنفيذها كالحجر الجزئي أو الكلي على بعض المخيمات والتجمعات السكانية التي تحولت لبؤرة انتشار الفيروس، وكذلك ضرورة الضغط على السلطات المحلية لمنع التجمعات غير الحيوية.
ونوّه الشيخ إلى أن الوعي المجتمعي وضرورة الالتزام بثلاثية (نظافة، كمامة، تباعد جسدي) هي أنجح التجارب التي من خلالها يمكننا الحدّ من تداعيات انفجار كورونا في الشمال السوري، وعلى الجميع تحمّل واجباته تجاه نفسه والآخرين، ورغم الواقع الاقتصادي السيئ إلا أنه يجب فرض وتنفيذ الإجراءات الوقائية وإلا ستكون دون جدوى.
المصدر : اورينت نت