التعليم الخاص في إدلب يتنامى.. الأسباب والمؤشرات
سطع نجم التعليم الخاص في إدلب، مدارس ومعاهد وجامعات، بشكل جليّ خلال السنوات القليلة الماضية، في تباين واضح مع نمط التعليم القديم الذي طغى عليه الطابع العام والمجّاني، وترتبط هذه الحالة بشكل وثيق بتراجع التعليم العام بسبب غياب المنح المالي وإفساح المجال أمام الاستثمار الخاص في التعليم، وإطلاق عدد من المشاريع التعليمية الخاصة التي شملت مدارس وجامعات ومعاهد تعليمية وروض أطفال، فضلاً عن مراكز تدريب وتأهيل.
وينتشر في محافظة إدلب نحو 161 مدرسة خاصة بحسب “مديرية التربية والتعليم”، و5 جامعات خاصة وفقاً لـ”مجلس التعليم العالي” في حكومة “الإنقاذ”.
نحاول خلال التقرير، الوقوف على أبرز محطّات تنامي التعليم الخاص في إدلب، والأسباب الموجبة لانتشاره، وتأثيره على قطاع التعليم العام، وكذلك مساهمته في سدّ ثغرة التراجع النسبي في جودة التعليم.
كيف ظهر التعليم الخاص؟
عقب السيطرة على مدينة إدلب من قبل فصائل المعارضة 2015 بات المجال مفتوحاً أمام الاستثمار الخاص في التعليم، على اعتبار أنّ القبضة القانونية للنظام التي تحظر افتتاح المدارس الخاصة إلا بتراخيص ورسوم مالية غابت وهو ما شجّع أصحاب مشاريع تعليمية على تنشيط مشاريعهم من جديد.
عبد الباسط حبلص وهو مدير عام لمدارس “جيل المستقبل الخاصة” التي تنشط في بلدة حزانو ومدينة سرمدا شمالي إدلب، يحكي لموقع تلفزيون سوريا عن بداية مشروعه التعليمي الذي بدأ بمعهد خاص منذ عام 2010 وأغلقه النظام بعد قرار حظر المعاهد الخاصة، وعاد بعد عام 2015 ليستأنف ما بدأه قبل سنوات، لكن ضمن ما يخدم طموحه ومشروعه وقضيته، على حدّ تعبيره.
يقول: “جاءت فكرة المدارس الخاصة في عام 2015 بعد تحرير مدينة إدلب، أسهم في ذلك وجود بناء خاص ونموذجي، بالبداية كانت لمرحلتي الروضة والابتدائي والإعدادي للصف الثامن فقط”.
تواصلت مع مديرية التربية في إدلب من أجل الحصول على ترخيص ولم يكن هناك إجراءات تتعلق بالمدارس الخاصة بعد، وانطلقت بعدها بالعمل على مشروع افتتاح المدرسة وأخذت تتوسع وتتطور خلال السنوات الماضية وباتت تضمّ اليوم مختلف المراحل الدراسية حتى شهادة الثانوية العامة”.
مؤتمر التعليم الخاص الأول
مع بداية افتتاح المدارس الخاصة في إدلب، غابت التعليمات والنظم التي تضبط عمل المدارس الخاصة، إلا أنّ مع عقد مؤتمر التعليم الخاص في إدلب في 30 من حزيران الماضي، بتنظيم من مديرية التربية والتعليم في إدلب ومديرية التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة “الإنقاذ” بدأت تدخل حيّز التنظيم، وقد شكل لبنة أولى لتعزيز التواصل ما بين المؤسسات التعليمية الخاصة وحكومة “الإنقاذ”.
في هذا السياق، يقول جهاد حاج حسين مدير التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم التابعة لـ”الإنقاذ”، إنّ “مؤتمر التعليم الخاص أفضى إلى تشكيل لجنة في وزارة التربية مع مناديب عن المؤسسات التعليمية الخاصة، لكل مجمّع مندوب لدراسة ومناقشة الطروحات ونظام التعليم الخاص والخطة الدرسية”.
خطوات الترخيص والأقساط
وضعت مديرية التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم، نظاماً داخلياً للتعليم الخاص وتعليمات تنفيذية تضبط وتنظم التعليم الخاص، وكذلك أسساً ومعايير، بحسب محدثنا “حاج حسين”.
وتابع في حديثٍ لموقع “تلفزيون سوريا”، إنّ من بين الخطوات التنظيمية، هي آلية الترخيص، قائلاً: “يتقدم طالب الترخيص بطلب إلى دائرة التعليم الخاص في مديرية التربية والتعليم في إدلب ويجب توافر شروط فنية وتربوية يجب تحقيقها حتى يتم قرار الترخيص (شروط البناء وشروط لطالب الترخيص) وفق مواد الفصل الثاني للتعليمات التنفيذية”.
ويضيف: “يتقدم طالب الترخيص بطلب وتسيير الإجراءات بنفس خطوات ترخيص مدرسة، ومن الشروط المطلوبة أن يكون المخبر طابقاً أرضياً ووجود ثلاث غرف على الأقل وألا تقل مساحة الغرفة عن 16 مترًا وغرفتي إدارة، إضافةً إلى شروط أخرى”.
وحول الأقساط، يشير “حاج حسين” إلى أنّ المؤسسات الخاصة تلتزم بالأقساط المعتمدة والمحددة من قبلها لكل مرحلة وقبل بداية العام الدراسي وقبل تسجيل الطلاب وتحتاج موافقة الوزارة عليها، وللوزارة الحق في إعادة النظر في أحكام هذه المادة عند اللزوم في حال صدور قوانين بزيادة الأجور، وفي حال تجاوزت المؤسسة التعليمية الخاصة بالأقساط وفق البند الأول من هذه المادة تتخذ بحقها العقوبات المنصوص عليها في هذه التعليمات”.
ماذا تقدم المدارس الخاصة؟
يربط “حبلص” مميزات أي مدرسة خاصة بالخدمات التي تقدمها لطلابها وتطورها، مبيناً أنّ “المعلم في المدرسة الخاصة لا يختلف عن المدرسة العامة بالطبع، إلا أنّ المدرسة الخاصة من الممكن أن توفر له الأرضية المناسبة لتقديم كل ما لديه من مهارات وخبرات”.
ويضيف: “تحاول المدرسة الخاصة مقابل “المال”، تقديم خدمات مكانية وتعليمية ونفسية ليجد الطالب نفسه عُوّض تعليمياً بزمن الحرب عما يجده في المدارس العامة”، لكن في المقابل يعتبر محدثنا أنّ “الطلاب الذين يفكرون بشراء الشهادة لا مكانَ لهم في المدرسة”.
“عبد الله أبو محمد” لديه طفلان يدرسان في مدرسة خاصة، يقول: “إن المواصلات إلى جانب نظام المتابعة اليومي شجعني على تسجيل أطفالي بالمدرسة، وهو ما يغيب في المدارس العامة”.
ويعتبر في حديث لموقع “تلفزيون سوريا”، أنّ “كثيراً من المدارس العامة باتت تفتقر إلى دعم مادي وبالتالي تراجعت العملية التعليمية، ما يؤثر سلباً في الطلاب” وهو ما يحاول تجنيبهم إياه، مقابل إحراج نفسه مادياً.
المناهج
يعتقد “حبلص” أن مميزات المدرسة الخاصة منهجياً تكمن في توفيرها الدروس الإثرائية على صعيد اللغات والمواد العلميّة، فـ”الإنكليزية” تدرس في المدرسة وإلى جانبها “المحادثة” التي تفتقر لها المدارس العامّة، وكذلك باتت بعض المدارس تدّرس اللغة التركية، ومادة “الحساب الذهني” أو ما تعرف بـ”السوروبان” والقرآن الكريم، وكذلك اللعب بالتعليم من خلال دروس نموذجية، إذ يختار المعلّم أسلوباً ترفيهياً لتقديم مادة علميّة للطلاب، يدعمها توفر حديقة ومسابح وألعاب ومكتبات وغيرها من مكمّلات العملية التعليمية.
التوفيق بين الربح والتعليم
يعتبر الربح في التعليم وتحويل المشروع التعليمي إلى مصدر رزق، جدلياً في أخلاقيات المجتمع المحلي، وعن هذه الشائكة المجتمعية، يُعلّق “حبلص”: لو كان الهدف مادياً بحتاً في افتتاح المدرسة، كانت إدارة المدارس عملت على اختصار الكثير من الخدمات التي تقدمها المدرسة وبالتالي توفير التكاليف، إلى جانب الكثير من الموظفين، أو حتى تخفيض أجور المدرسين، إلا أننا نحاول تقديم جميع ظروف النجاح للمدرّس والطالب”.
ويزيد: “الربح مشروع وليس تهمة في المدارس الخاصة، لأنّ هناك رأس مال كبيراً في مشروع التعليم الخاص ولو قسنا المشروع الخاص التعليمي بأي مشروع تجاري آخر لوجدناه خاسرًا دون أدنى شكّ”.
أمّا المعايير المعتبرة في تحديد الرسم السنوي يرتبط بالخدمات التي تقدمها المدرسة لطلّابها.
ويوضح محدثنا أنّ أمام ذوي الطالب خيارات واسعة في التعليم، إذ يوجد التعليم العام المجاني والتعليم الخاص الرمزي والتعليم الخاص المتوسط والتعليم الخاص بأجور مرتفعة، والمقياس هو الخدمات، المرتبطة بمعايير الجودة التي يركز عليها وهي أعداد الطلاب في الصف وهي أعداد نموذجيّة، واللغات والأنشطة والمهارات والتعليم “عن بعد” عبر منصة خاصة، وغيرها.
وفي ختام حديثه، يجد “حبلص” أنّ التعليم الخاص رديف للتعليم العام، بينما المدارس الخاصة بين بعضها هي حالة تنافسية لتقديم خدمات أفضل.
أسباب ومؤشرات
يقف “عبد الرزاق حمّال” وهو نقيب معلمين سابق لفرع إدلب، عند أبرز أسباب اللجوء إلى التعليم الخاص في إدلب، يقول: “ضعف جودة التعليم في المدارس العامة التي لا يوجد فيها دعم وبالتالي أثر على جودة التعليم، وأيضاً أدى إلى تغير مستمر بالكادر التعليمي، وإيجاد حالة لا استقرار، وهذا التبدل المستمر دفع الناس باتجاه التعليم الخاص”.
ويضيف إلى جملة الأسباب التي تدفع الأهالي نحو التعليم الخاص: “ازدحام الطلاب في الغرفة الصفية فلم يعد باستطاعة الطلاب الحصول على حقهم بالمشاركة، وانتقال معظم الكفاءات التعليمية باتجاه المدارس الخاصة أو المنظمات، بالإضافة إلى قلة الدعم الذي دفع التربية لتقديم تسهيلات للتعليم الخاص”.
ويتحدث “حمّال” عن ضعف البنى التحتية والذي تم التعويض عنه بانتشار المدارس الخاصة، كما يشير إلى أنّ “النتائج الجيدة التي حققتها المدارس الخاصة على حساب المدارس العامة، هذا ما دفع الأهالي إلى التوجه للمدارس الخاصة”.
ويجد “حمّال” أنّ التعليم في إدلب يتّجه إلى “الخصخصة”، إذ إنّ غياب الدعم وعدم استقراره يدفع باتجاه ذلك، وبمساندة الجهات العامة القائمة على وضع التعليم.
بينما “علي العتك” وهو ناشط تربوي مقيم في إدلب، يوضح أنّ “الأهالي يعتبرون أن التعليم الخاص حل بديل وسريع عن التعليم العام”.
ويتابع لموقع “تلفزيون سوريا”: “أعتقد أنه في حال عدم اتخاذ التدابير اللازمة والسريعة من قبل المعنيين سوف نرى انحساراً لوجود ودور التعليم العام والمجّاني، والجميع يعلم ماذا يعني أن يتحول التعليم من مجاني إلى مأجور، يعني انحصاره بالطبقة الغنية دون الفقيرة، وحرمان كم هائل من الأطفال من أبسط حقوقهم وهو التعليم”.
ومن أجل تحقيق توازن بين التعليمين الخاص والعام، يقترح “العتك” ضرورة تأمين مصادر دعم كاملة ومستقلة تشمل المدارس العامة كلها بكل المراحل دون استثناء، وتأمين رواتب مناسبة للمعلمين لحثهم على العطاء بشكل مناسب ومتكامل”.
ونوّه “العتك” إلى أهمية تفعيل دور مديرية التربية والتعليم من خلال فرض نسبة واضحة لا تقل عن 30% مجانية في المدارس مخصصة للأيتام وأبناء الشهداء وهم كثر في مجتمعنا، على حدّ قوله.
في هذا السياق، يؤكد محدثنا “حاج حسين” إلى أنّ التعليم الخاص هو رديف للتعليم العام وليس بديلاً، كما أن الوزارة تعمل على تأمين دعم للتعليم في القطاع العام.
ويغيب الدعم المالي عن أكثر من 40% من مدارس إدلب، وفقاً لإحصاءات حصل عليها موقع “تلفزيون سوريا” سابقاً من “تربية إدلب”.
المصدر : تلفزيون سوريا