“أغذية بديلة” تحمل موتاً بطيئاً يواجه الرضع بمخيمات النازحين شمال سوريا
بكاء طفلتها الرضيعة طوال الليل جوعاً دفع سهير الأحمد لطهو مادة “النشاء” وإرضاعه لابنتها كبديل عن الحليب الصناعي المرتفع الثمن، والذي لم تعد الأحمد قادرة على شرائه لفقر حالهم مع عدم قدرة زوجها على الحصول على عمل يعيل به أسرته في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها في مخيمات النزوح النائية.
تواجه الأمهات تحديات كبيرة في سبيل تأمين ما يسد جوع أطفالهن، وهو ما دفعهن لطرق عديدة لإرضاع أطفالهن دون عمر الستة أشهر كبديل عن الحليب الصناعي، فإضافةً لطريقة طهو النشاء، هناك طحن الأرز أو اللجوء لحليب البقر أو الماعز بعد إضافة الماء إليه لتخفيفه.
اللجوء للطرق آنفة الذكر كانت له آثاره السلبية الواضحة على صحة الأطفال الرضع بعد زيادة معدلات الحالات المرضية بينهم وظهور أعراض تمثلت بنحول شديد وفشل نمو وسوء تغذية.
تقول الأم سهير لأورينت نت إن تناول ابنتها الرضيعة التي لم تتجاوز الشهرين من عمرها للنشاء بدل الحليب جرّ عليها التهابات معوية حادة تمثلت بإقياء وإسهال وارتفاع درجة حرارة الجسم وهو ما اضطرها لإدخالها المشفى بعد إصابتها بسوء تغذية وتلقي العلاج لمدة تجاوزت عشرة أيام إلى أن استعادت عافيتها من جديد.
وأوضحت أنها لم تستطع إرضاع ابنتها رضاعة طبيعية كونها تعاني سوء التغذية أيضاً منذ بداية حملها، ولعدم توفر حليب صناعي مجاني من قبل المنظمات الإغاثية لم يعد أمامها سوى اللجوء لحلول بديلة.
تعلق سهير بعد أن تخرج تنهيدة طويلة من صدرها:”نحن عاجزون عن تأمين قوت يومنا، فكيف لنا أن نؤمن ثمن علب الحليب الصناعي الباهظة، حيث يقدر سعر العلبة الصغيرة الواحدة بـ٣٥ ليرة تركية أي ما يعادل ٥ دولارات وهي لاتكفي الطفلة سوى يومين أو ثلاثة أيام فقط”.
360 حالة
مخيمات النزوح بريف إدلب الشمالي والغربي سجلت مئات الإصابات بمرض سوء التغذية والحالات المماثلة لحالة طفلة الأم سهير، حيث وثقت عيادة سوء التغذية في مشفى ابن سينا التخصصي في إدلب أكثر من ٣٦٠ إصابة خلال شهر واحد، وخاصة ضمن فئة الأطفال حديثي الولادة.
وترتفع الإصابات بشكل خاص في مخيمات أطمة، كفرلوسين، دركوش وحارم التي تضم أكثر من ١٢٠ ألف نازح، وسط أوضاع معيشية قاسية بالترامن مع ندرة الخدمات الطبية والإنسانية.
وتعرف منظمة الصحة العالمية مرض سوء التغذية بأنه ما يشير إلى النقص أو الزيادة أو عدم التوازن في مدخول الطاقة أو المغذيات لدى الشخص وهو يشمل ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى فرط الوزن والسمنة والأمراض غير السارية المرتبطة بالنظام الغذائي كأمراض القلب وداء السكري وبعض السرطانات.
والمجموعة الثانية سوء التغذية المتعلق بالمغذيات الدقيقة كنقص الفيتامينات والمعادن الهامة للجسم.
أما المجموعة الثالثة فهي نقص التغذية وتشمل الهزال والتقزم ونقص الوزن وهو الأكثر انتشاراً في الشمال السوري وفق الخبيرة الغذائية سلام صطيف التي قالت إن شريحة كبيرة من العائلات وخاصة من قاطني المخيمات يعانون صعوبة تأمين مادة الحليب الصناعي بسبب ارتفاع ثمنها بشكل كبير.
وأشارت الخبيرة الغذائية إلى أنه رغم توفر علب الحليب الصناعي في الصيدليات والأسواق إلى أن أسعاره المرتفعة تشكل عبئاً على الأهالي لارتفاع صرف الدولار أمام الليرة السورية وغياب مصادر الدخل الثابتة، وهو مادفع الأهالي مرغمين للبحث عن بدائل غير ملائمة” إطلاقاً” للأطفال الرضع وفق تعبيرها.
“تنبيه ومطالبة”
ونبهت إلى أن الحلول الاضطرارية التي تصنعها الأمهات تسبب التهابات معوية وخاصة لدى الأطفال دون سن الستة أشهر، ذلك أن معدة الطفل تكون في الأشهر الستة الأولى غير مهيئة لاستقبال أي نوع من أنواع الطعام سواء كان نشاءً أو ماءً أو سكراً أو أرزاً أو حتى حليب الأبقار، وهو ما يعرض الطفل لأمراض عدة كالتلبكات المعوية والتقيؤ والإسهال والنفخة وغيرها.
وشددت الخبيرة الغذائية على ضرورة تأمين الحليب الصناعي المناسب للأطفال الرضع والابتعاد عن إعطاء الطفل أي منتجات أخرى من شأنها أن تؤذي صحته، واصفة الاستهتار بالأمر “الشديد الخطورة” وخاصة حين تتطور الأعراض المرضية مودية بحياة الطفل كما حدث لعدد من أطفال المخيمات خلال العام الجاري، كحالة الطفلة الرضيعة هدى خالد التي كانت إحدى ضحايا الجوع وسوء التغذية في مخيم السلطان شمال بلدة كللي بريف إدلب.
وطالبت الخبيرة الغذائية والعديد من الأمهات كلاً من حكومتي المؤقتة والإنقاذ تحمل مسؤولياتها والتنبه لأهمية حصول الرضع على الحليب الصناعي بضرورة توفيره وتخفيض ثمنه ليتنسى للأهالي الحصول عليه، بينما دعت الجمعيات الخيرية والمنظمات الإغاثية للعمل على تأمين الحليب الصناعي المجاني على الأقل لقاطني المخيمات الحدودية كونهم يواجهون عجزاً واضحاً بتأمين مستلزماتهم الأساسية نتيجة ”فقرهم الشديد.
المصدر : اورينت نت