أزمة اللاجئين السوريين في ترييستي: الحياة في الهامش بين الأمل والنسيان
في قلب مدينة ترييستي الإيطالية، يقف مبنى ضخم شاهداً على تحولات زمنية وإنسانية متعددة. مبنى كان في الأصل مخزناً للحبوب بجوار محطة القطار، يعرف اليوم بـ “الصومعة”، لكنه تحول إلى مأوى غير رسمي لمئات المهاجرين الباحثين عن الأمان في أوروبا. هؤلاء المهاجرون، الفارين من الظروف القاسية في سوريا وأفغانستان، وجدوا أنفسهم عالقين في هذا الملجأ المتهالك، حيث الأرضيات غير موجودة، والسقف لا يوفر الحماية الكافية، والمرافق الصحية مفقودة تماماً.
على الرغم من المسافات الطويلة والطرق الخطرة التي قطعوها عبر طريق البلقان، يواجه هؤلاء الأشخاص الآن ظروفاً غير إنسانية، يعيشون في الوحل والأوساخ بجانب الفئران، دون العثور على مكان ضمن نظام المأوى. الصومعة، بطولها البالغ 290 متراً وتاريخها العريق الذي يعود لمنتصف القرن التاسع عشر، كانت قد استضافت آلاف المهاجرين بعد الحرب العالمية الثانية. واليوم، تعود لتكون شاهدة على أزمة إنسانية جديدة.
المونسنيور إيتوري مالناتي وصف الوضع في الصومعة بأنه “ظروف غير إنسانية”، في حين أن جمعيات تطوعية مثل “لينيا داومبرا” واتحاد التضامن الإيطالي يحاولان تقديم بعض الراحة والدعم للمقيمين هناك. هذه الجمعيات تقدم وجبات طعام ساخنة، وتعالج الأقدام المصابة، وتقدم نصائح حول الأماكن للاغتسال أو تعلم اللغة الإيطالية.
مبادرة “خاندوالا ترحب بترييستي” تسعى لجذب انتباه المواطنين الإيطاليين نحو هذا “المنزل المتهدم”، في محاولة لفتح الأعين على الوضع المذري الذي يعيش فيه هؤلاء المهاجرون. وفي الوقت الذي يعتبر فيه رئيس اتحاد التضامن الإيطالي، جيانفرانكو شيافوني، أن حالة الطوارئ “مصطنعة” وأن عدد المهاجرين محدود، يظل الجدل السياسي والمجتمعي حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة مستمراً.
من جانبه، يؤكد دومينيكو كوستا من تعاونية “كوب آليانتشي 3.0” التي تمتلك المبنى، على أن الإجراءات المتخذة كانت تهدف إلى حماية المهاجرين، مطالباً المؤسسات بتحمل مسؤوليتهم تجاه هذا الوضع.
على الرغم من تلك المبادرات الإنسانية، فإن الوضع لا يزال يتفاقم، والجدل السياسي يعمّ المنطقة، وهذا ما أشارت إليه منظمة “ميلتينغ بوت” التي رصدت الوضع بدقة وأكدت على ضرورة توفير مساكن للمهاجرين بدلاً من إهمالهم داخل الصوامع المتهالكة.
في ظل هذا الواقع المحزن، يتعين علينا أن نطالب بتدابير فورية لتحسين أوضاع المهاجرين وتوفير مأوى آمن لهم. لا يمكن للدولة الإيطالية تجاهل هذه المعاناة الإنسانية، ويجب على المؤسسات العامة والخاصة أن تتحمل مسؤولياتها الاجتماعية وتعمل على إيجاد حلول عاجلة لهذه الأزمة.
فكل شخص في “الصومعة” لديه قصة، حلم، وأمل في حياة أفضل. الوقت قد حان للتحرك، ليس فقط من قبل المؤسسات والحكومات، ولكن أيضاً من المجتمع المدني وكل فرد، لتقديم يد العون وإيجاد حلول مستدامة لهذه الأزمة الإنسانية
بالنظر إلى الأوضاع القاسية التي يعيشها المهاجرون، يجب على السلطات المحلية والوطنية أن تتدخل فورًا لتوفير سبل العيش الكريم لهؤلاء الأشخاص الذين يعانون الفقر والهجرة القسرية. فلا بد من التصدي لهذا الوضع بمسؤولية وإنسانية، وتحقيق العدالة والكرامة لكل البشر، بغض النظر عن جنسياتهم أو أصولهم.