مقالات

ما وسائل تنمية رأس المال البشري في سوريا لخلق الاستقرار من جديد؟

أثرت الثورة في سوريا على مختلف المجالات والقطاعات الاقتصادية والبشرية. فقد وصل عدد اللاجئين السوريين 6.6 مليون. بالإضافة إلى النازحين داخلياً الذين وصل عددهم إلى 6.1 مليون شخص حسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة عام 2020. وقد ترافق ذلك مع فقدان مليون فرصة عمل حسب بيانات منظمة العمل الدولية عام 2020. كما أثرت هذه التحديات على مستوى معيشة وسكن وتعليم وطبابة الملايين.. إلخ. وبالتالي خسارة كبيرة في رأس المال البشري في سوريا. والسؤال هنا: ما وسائل تنمية رأس المال البشري في سوريا لخلق الاستقرار من جديد؟

ما دور القوى البشرية في عملية إعادة الإعمار؟

لا يمكن أن يحدث استقرار وتتم عملية إعادة الإعمار في سوريا بذات العقلية الحالية السائدة التي تقوم على الفساد والمحسوبية والبيروقراطية. لذلك لا بد من التركيز على رأس المال البشري السوري. وخاصةً رأس المال البشري الخارجي الذي حظي بفرصة مميزة لتنمية وبناء قدراته الشخصية في العديد من دول اللجوء.

لا يوجد بلد يقدر على تحقيق معدلات تنمية اقتصادية واجتماعية ما لم تتوفر لديه قوى عاملة مؤهلة ومدرَّبة. بالإضافة إلى وجود قيادات قادرة على بناء اقتصاد حقيقي يتَّصف بالعدالة والمساواة. ويركز على المواهب وروّاد الأعمال من ذوي الخبرات والمهارات والكفاءات.

إن كافة المتطلبات السابقة تكاد تكون معدودة في سوريا عبر عقود ماضية. وهنا تأتي أهمية عملية تحديد القدرات الضرورية في المرحلة الحالية لتحقيق الاستقرار والبداية في عملية إعادة إعمار البلد ضمن اتفاقات عادلة.

ما أهمية التنمية البشرية وتطوير القدرات في سوريا؟

تشير التجارب العالمية إلى أنَّ عملية تطوير قدرات المواطنين يمكن تحسينها من خلال التعليم والتدريب. وإطلاق برامج التأهيل التي تسهم في تحسين أداء وظائفهم بكفاءة وفعالية بشكل مستمر.

على الرغم من الإنفاق الكبير على عملية التعليم في سوريا إلا أن الصفة النظرية غلبت على العملية التعليمية في الجامعات. كما ابتعدت الجامعات السورية عن التطبيقات العملية والتدريب المهم لربط الطلاب بسوق العمل. وهذا ما أفرغ العملية التعليمية من محتواها الأساسي عبر سنوات حتى يومنا الحالي. فلم تساهم العملية التعليمية في تطوير قدرات ورفع مهارات الشباب في سوريا على الرغم من وجود الكفاءات الطلابية بشكل كبير.

كما أن عمليات التدريب الحقيقية مثل معهد التنمية الإدارية الذي أدخل بإشراف فرنسي في عام 2020 تم إفراغه من محتواه الحقيقي. ولم يستلم أيّ من خريجيه مناصب إدارية بارزة في الدولة. كما تتصف الدورات التدريبية القيادية التي تقام حالياً من قبل وزارة التنمية الإدارية بعدم جودتها وعدم قدرة خريجيها على المنافسة والإبداع. فكيف لمتدرّب أن يبدع على يد مدرّب بحاجة لتدريب وتنمية مهارات وتطوير قدرات؟

ما القدرات اللازمة لخلق الاستقرار في سوريا ؟

من الأفكار الأساسية المرتبطة ببناء القدرات فكرة بناء قدرات أعضاء وقادة الحكومات السورية. حتى تتمكن من معالجة المشاكل المرتبطة بالتحولات البيئية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الثورة. إن تطوير قدرة الحكومات يسمح بتحسين الإدارة التي يمكن أن تؤدي إلى التنمية المستدامة وتحقيق الديمقراطية.

كثيراً ما ينطوي بناء القدرات في الحكومات على توفير الأدوات اللازمة لمساعدتها على الوفاء بمسؤولياتها على أفضل وجه. ويشمل ذلك بناء قدرة الحكومة على الموازنة. وجمع الإيرادات وسنّ القوانين الإدارية وتنفيذها وتعزيز المشاركة المدنية ومحاربة الفساد.

من المعلوم أن سوريا تعاني من مشاكل إدارية متعددة. كان من أهم أسبابها الفساد والمحسوبية والتعيين غير المدروس لأيّ شخص. وفي هذه المرحلة لا بد من العمل على تدريب وتطوير مهارات الإدارات الحالية بغية رفع قدراتها. واستبعاد غير المؤهلين. بالإضافة إلى الاعتماد على الكفاءات الخارجية من أصحاب المهارات والقدرات الإدارية في قيادة وتطوير البلد.

كما ينبغي تعزيز قدرة المواطنين السوريين على التكيف ومواكبة التغييرات في القطاعين العام الخاص. بالإضافة إلى رفع مستوى التنظيم والتدريب والتكيف مع التغيرات التي أثرت على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في سوريا.

من جهة أخرى الشباب السوري باجة ماسة إلى التدريب على التفكير وتوليد الأفكار والعطف الذهني لحل المشكلات. فمع كثرة ما يواجه السوريين من تحديات أو مشكلات ينبغي السعي عندها لأفكار جديدة. وقد ظهر خلال سنوات الثورة ظاهرة عدم القدرة على حل المشكلات المتراكمة. أو كانت الحلول عبارة عن حلول اقتصادية ابتعدت عن مضمونها الاجتماعي الأسري.

من ناحية أخرى ينبغي الاستثمار في تطوير قدرات الشباب السوري. لا بد من العمل على تغيير طريقة التعليم والتدريب المتبعة في سوريا. والتركيز على المبدعين والمميزين. والعمل على وضع برامج ممكنة التطبيق لتطوير قدرات الشباب السوري في مختلف المجالات.

كما تبدو الحاجة ماسّة في سوريا لتطوير القدرات القيادية. والتركيز على مفهوم القائد الناجح على كافة المستويات الحكومية والخاصة. فالقائد الناجح هو الذي يقود بلده أو مؤسسته لتحقيق أفضل النتائج. ويسعى لتطوير ومساعدة الجميع من خلال العمل بروح الفريق.

في النهاية تبقى عملية تطوير القدرات عملية مهمة لمستقبل الاستقرار وإعادة الإعمار في سوريا. فبدون وجود هذه المقدرات والمهارات ستبقى المحسوبية والفساد منتشراً. وباستمرار الوضع على ما هو عليه لا يمكن أن تتم أي عملية تطوير حقيقية اقتصادية واجتماعية مستقبلية.

المصدر : ترندز للدراسات الاقتصادية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى