التحقيقات

ما بين القتل التعذيب والاغتصاب.. أطفال سوريا في معتقلات الأسد

خلف جدران صلدة وزنازين تلفها الظلمة والبرودة يعيش الآلاف من الأطفال السوريين ممن هم دون 16 من أعمارهم في ظروف اعتقال تفتقر لأدنى شروط الإنسانية ويتعرضون لأشد أنواع التعذيب والضرب المبرح والحرق بالسجائر والتصفيد في قيود معدنية لساعات، ولا يلقى أغلبهم أي علاج طبي من الإصابات التي يخلفها التعذيب، أو يجري استخدامهم كسخرة وعمالة داخل مهاجع الجرائم والجنايات، حسب ناشطين.

أكثر من 4500 طفل معتقل

وأشارت “منظمة مع العدالة” نقلاً عن تقارير حقوقية إلى وجود أكثر من 4500 طفل سوري دون سن 18 اعتقلوا في سوريا، وأكثرهم يقبعون في معتقلات نظام الأسد، ويتعرضون لانتهاكات كثيرة في السجون من بينها التعذيب الجسدي والاغتصاب، وتعدّى الضرب واستخدام وسائل التعذيب بحقهم في معتقلات النظام إلى اغتصاب المعتقلات الصغيرات من قبل عناصر نظام الأسد.

وأفاد رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان “فضل عبد الغني” في حديث لـ”زمان الوصل” بأن نظام الأسد استهدف الأطفال منذ البدايات الأولى للحراك الشعبي نحو نيل الحرية والديموقراطية بعمليات القتل والاعتقال والتعذيب داخل سجونه وقتل هذا النظام المجرم حوالي 22 ألفا وخمسمائة طفل وطفلة، واعتقل عشرات الآلاف من الأطفال المئات منهم لا زالوا رهن الاعتقال.

وتابع “عبد الغني” أن لدى النظام تقريباً 3500 طفل لازالوا قيد الاعتقال وأغلبهم مختفون قسرياً لا يعلم ذووهم عنهم شيئاً، موضحا أن الانتهاكات التي مارسها النظام على الكبار والبالغين هي ذاتها طبقها على الأطفال ولم يميزهم أو يعطيهم خصوصية في التعذيب وظروف الاعتقال والقتل العنف الجنسي بل تعرضوا للانتهاكات نفسها التي تعرض لها الكبار خارج المعتقلات كالحصار والحرمان من الجنسية، إضافة إلى تجنيد الأطفال الذين ينتمون للبيئة الموالية له.

ورصدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان هذه الانتهاكات على نحو واسع ونمطي وممنهج، وأكد مدير الشبكة أن جزءا كبيرا من الانتهاكات هي بمثابة جرائم ضد الإنسانية، مضيفاً أن لدى الشبكة قسما مختصا برصد الانتهاكات التي تقع بحق الأطفال وتم إصدار عدد كبير من البيانات والتقارير والإحصائيات التي توثق الانتهاكات بحق الأطفال في سوريا ضمن قاعدة بيانات بهذا الخصوص.

مقتل 173 طفلا تحت التعذيب

ولفت “عبد الغني” إلى أن النظام السوري اعتقل بشكل أساسي الأطفال ممن لديهم أي مساهمة في الحراك الشعبي فبعضهم كانوا مصورين وبعضهم ساهموا في نقل مساعدات غذائية أو طبية للمحاصرين والقسم الأكبر من المعتقلين-حسب قوله- هم من أقرباءهم كالأب والأخ مطلوبين لمعارضتهم النظام تسبب ذلك باعتقال الطفل للضغط على عائلته وابتزاز البالغين إجبارهم على تسليم أنفسهم بأسلوب يحمل لكثير من الغدر والخيانة كعادة النظام وقسم منهم للأسف سلموا أنفسهم ورغم ذلك بقي الطفل رهن الاعتقال.

وأكد مدير أشهر منظمة لحقوق الإنسان في سوريا أن “النظام مارس بحق الأطفال المعتقلين لديه عمليات التعذيب التي أفضت في أحيان كثيرة إلى القتل والكثير منهم باتوا بحكم المختفين قسرياً لا يعلم ذووهم عنهم شيئاً وليس بامكانهم توكيل محام علاوة على ظروف الاحتجاز الصعبة حيث لا يتم فصل الأطفال عادة عن الكبار، مشيراً إلى أن “هذا الفصل قد يطول أفراد العائلة المعتقلة ذاتها ففي حين يجب أن يكون في مكان اعتقال واحد يتم تفرقتهم كلاً في مكان وأحياناً يتم اعتقال أطفال مع عوائلهم وتعذيبهم أمام الأب والأم أو أمام الأخوة دون رحمة أو رأفة“.

وسجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل مالا يقل عن 173 طفلاً تحت التعذيب في مراكز احتجاز النظام منذ بدء الحراك السلمي في آذار 2011 إلى نهاية شهر أيار مايو/2014 وهو –حسب المصدر- رقم كبير ولا نظير له على مستوى العالم في عمليات التعذيب وقتل الأطفال وهذا يؤكد أن هذا النظام هو الأكثر وحشية وانتهاكاً لحقوق الطفل.رغم أن هذا النظام صادق على اتفاقية حقوق الطفل منذ العام 1993 ولكنه خرق أكثر موادها وعلى نحو منهجي متكرر.

ووصلت انتهاكات نظام الأسد إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب لكن اتفاقية حقوق الطفل-كما يقول عبد الغني- لم تقدم للسوريين شيئاً ولم تحمْ حقوق الأطفال في سوريا، مضيفاً أن “تقرير لجنة حقوق الطفل عن سوريا الذي قدم عام 2017 كان ضعيفاً وركيكاً ولم يرق لمستوى المسؤلية ورد النظام على هذا التقرير بتقرير مليء بالأكاذيب والانكار وتنصل من مسؤولية قتل أي طفل ولذلك فشلت الإتفاقية بحماية الأطفال السوريين مثلما فشل المجتمع الدولي بما فيه مجلس الأمن بحماية السوريين ككل“.

رأي قانوني

وبدوره أشار الأمين العام لـ”تجمع العدالة السوري” د. محمد نور حميدي إلى أن العنف الجنسي يعتبر من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام وتم توثيق العديد من الأفرع الأمنية التابعة للنظام التي ارتكبت ولا تزال تُرتكب فيها تلك الانتهاكات بحق الأطفال والنساء على حد سواء لإجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.

ولفت “حميدي” إلى أن “القانون الدولي يمنع على أطراف النزاع استخدام العنف الجنسي على الأطفال وعلى الدول ملاحقة جميع من يخل بتلك الاتفاقيات ومنها اتفاقية جنيف الرابعة والبرتوكول الإضافي الأول والثاني والقانون العرفي المعمول به في كل النزاعات“.

وأردف محدثنا أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أدرج الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجسدي في قائمة جرائم الحرب.

وأكد القاضي المنشق أن سوريا لم توقع البروتوكولات الإختيارية الملحقة بالإتفاقية الخاصة بمنع إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة وبيع الأطفال واستخدامهم في الأعمال الإباحية ولا زال أطفال سوريا يعانون من العنف على اختلاف أنواعه داخل المعتقلات كحال الكبار والبالغين.

ونوّه إلى أن قانون العقوبات منع ضروب التهديد التي ينزلها الآباء بأبنائهم فإذا كان الأب محرماً عليه التعامل بعنف مع طفله فما بالك بحبسه وعقوبته واستعمال العنف بحقه بمختلف أشكاله لأخذ إقرار له على فعل أو شيء لم يرتكبه اصلاً أو من خلال إجبار والديه على الاعتراف بأفعال لم يرتكبوها.

سياسة جديدة قديمة

وتدخل مدير مركز “باك هوم” باريس فرنسا “وائل الخالدي” ليشير إلى أن سياسة النظام باعتقال الأطفال ليست جديدة، لكنها تجددت مع بداية الثورة السورية كنوع من أنواع التوحش الذي تعمّد النظام خلقه بين المدنيين لدفع أهاليهم للانتقام وإشعال حرب بعيدة عن ميدان التظاهرات إلى العمليات العسكرية ضده ليظهر بمظهر الضحية التي تدافع عن نفسها بوجه الإرهاب، وبأسوأ الأحوال فإنه يزيد اليأس والإحباط في صفوف الأهالي، ليزرع كمية أكبر من الخوف والتجبر على الناس ويقهر إرادتهم.

ولفت “الخالدي” إلى أن مراحل تعامل النظام مع الأطفال داخل سجونه تطورت من التعذيب إلى الاستغلال الجنسي وصولاً إلى سجنهم مع عناصر القاعدة ليُنشئَ جيلاً وحشياً يطلق سراحه عندما يحتاجه، وكشف المصدر أن ثمة تقارير أمنية في الآونة الأخيرة تحدثت عن عزل الأطفال المراهقين الذين كبروا في السجون وتم تغذيتهم ونقلهم إلى دول أُخرى لبيعهم كأعضاء بشرية.

وتحدثت تقارير عن طائرة تابعة لـ”أجنحة الشام” كانت تنقلهم كل 6 شهور إلى طهران وتعود فارغة، فيما تحدثت تقارير أخرى عن ارتفاع عدد عمليات الكلى مثلاً في ايران من 100 عملية في عام 2010 أي قبل الثورة إلى 3600 عملية بعد ثلاث سنوات من بداية الثورة، علاوة على الاغتصاب الجنسي المباشر حيث يُجبر الأب على اغتصاب ابنه، واغتصاب البنت أمام أبيها وأخيها، وتعذيب الطفل ورميه على الأرض وتركه ينزف حتى الموت، وكلها حالات موثقة عن شهادات تعذيب لمعتقلين تم الإفراج عنهم.

واستدرك محدثنا أن “هذا التوحش من قبل النظام والمليشيات المقاتلة معه هو تطور طبيعي للآلة الوحشية الأسدية التي ترى في أبناء المعارضين لنظام الأسد إرهابيين، وتتعامل معهم كأنهم فاعلون وقادرون وبالغون، في حين أن ذلك –حسب قوله- يدل بكل وضوح على خوف “العلوية السياسية” من انتقام هؤلاء الأطفال لذويهم عند البلوغ وهم يعرفون كمية الإجرام الذي مارسوه بحق هؤلاء الأطفال وذويهم ولذلك يتعاملون مع الطفل ذي السنوات الست كأنه مقاتل في صفوف الجيش الحر“.

وعزا “الخالدي” تكتم أهالي الأطفال المعتقلين الذين تعرضوا للاغتصاب والقتل تحت التعذيب وعدم الإفصاح عما جرى لهم، عزاه، إلى محاولة إخراج أولادهم من دائرة السجن النفسية في حال خروجهم ولإبعادهم عن محاكمات المجتمع المتحفظ الظالمة في الغالب.

وختم أن الأطفال الناجين من معتقلات النظام بحاجة لمؤسسات رعاية نفسية وعمل جبار لإخراجهم من تلك الحالة النفسية التي لا يمكن وصفها.

2019-05-28

المصدر: زمان الوصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى