مقالات

لماذا تحتاج إلى ما يسمى بـ”المساحة البيضاء” في روتينك اليومي؟

في التصميم، “المساحة البيضاء” هي المساحة المفتوحة حول الشكل ولا تُعد مساحة خاليه لأن لها غرض وهو موازنة بقية التصميم لإضفاء مساحة من الارتياح لما هو معروض على الصفحة (أو الشاشة) وبالتالي تساعد في تركيز انتباهنا البصري.

الآن لنوسّع مفهوم المساحة البيضاء إلى ما هو أبعد من عالم التصميم الجرافيكي. ماذا لو قمت بتحليل جدولك اليومي من وجهة نظر مُصمم؟ هل حافظت على “مساحة بيضاء” كافية في خضم سير عملك اليومي؟ أو أن الطريقة التي رسمت بها يومك جعلتهُ يبدو مزدحماً جداً ومشوّشا؟

حاجتنا للمساحة البيضاء

نحن نحتاج لمساحة بيضاء في حياتنا اليومية بحجم حاجتنا لها في تصاميمنا لأن المفهوم يحمل في طياته أموراً عدة: لو كانت حيواتنا مشوشة جداً ومزدحمة بالمواعيد، فلن نتمكن من التركيز بشكل مناسب على أي شيء. علاوة على ذلك، فإن هذا الأسلوب من العمل يقلل في الحقيقة من قدرتنا على التفكير بوضوح.

يقدم الباحثان سندهيل مولايناثان و إيلدار شافر -في كتابهم “النُدرة”-  حجة مقنعة بشأن الكيفية التي تدمر فيها “نُدرة الوقت” -أو الحالة التي يكون فيها المرء في حالة من الجدولة الزائدة باستمرار- قوانا التخيلية. أليكم مقتطفات مختارة:

بسبب استحواذ نُدرة الوقت علينا، وبسبب أن عقولنا اعتادت على ذلك باستمرار، فقد بات لدينا قدرات عقلية أقل لنعمل بها في هذه الحياة. إن هذا الأمر أكثر من مجرد استعارة. فبوسعنا قياس السعة العقلية بشكل مباشر، أو كما ندعوها، عرض نطاق قناة الاتصال.

وبوسعنا قياس قدرات الذكاء، وهي المفتاح الرئيس الذي يؤثر على كيفية معالجة البيانات واتخاذ القرارات. بوسعنا أيضا قياس التحكم التنفيذي، المفتاح الرئيس الذي يؤثر على طريقة تصرفنا التلقائي. سنجد أن الندرة – نُدرة الوقت – تقلل من كل مكونات السعة العقلية وتجعلنا أقل تبصراً وأقل تطلعاً وأقل سيطرة. إن الآثار وخيمة.

ندرة الوقت تشبه المادة التي تسمّم الإبداع وتُصيبه في مقتل. فلو أردنا خلق بيئة تُغذي الإبداع والخيال، يجب علينا وضع كمٍ لا بأس به من القواعد في الروتين اليومي. وهذه اللحظات الصغيرة من “المساحة البيضاء” والتي يكون لدينا فيها وقت للتوقف والتفكر، أو الذهاب في نزهه على الأقدام، أو مجرد التنفس بعمق لبضع دقائق، هي ما يمنحنا الاتزان والتدفق والإدراك لحياتنا بمجملها.

كما قد قيل، فنحن بحاجة لمساحة بيضاء في حياتنا اليومية تماماً بقدر احتياجنا لها في تصاميمنا. فكر بالكيفية التي بوسعك فيها أن تضيف مساحات بيضاء في جدولك، كما لو أن هناك غرفة مضاءة وجيدة التهوية للمرء وحده، يستطيع أن يلجأ إليها ليستعيد نشاطه فيها لبضع مرات في اليوم.

يجب أن نلاحظ بأن تعبير “غرفة للمرء وحده” تعني ذلك بشكل حرفي. فلستَ في غرفة لوحدك إذا كنت تحدّق في هاتفك، أو تنتظره لينبّهك بأي تحديثات. وتصفحك السريع لشبكات التواصل الاجتماعي بينما تحاول الاسترخاء يشبه محاولة التأمل بهدوء في خضم موكب استعراضي. وهذا ليس نافعاً. لذا دعنا نعِد أن ترك هاتفك والابتعاد عن الحاسب الآلي يعد شرطاً أساسياً لإيجاد مساحة بيضاء.

لكن ماذا تعني المساحة البيضاء تحديداً؟

حسناً، هذا عائد لك. فالفكرة العامة هي مساحة للانفصال وإعادة الاتصال باللوحة البيضاء في عقلك. هاك بضع أفكار للبدء:

الجلوس بصَمْت وترك عقلك يهيم

الرسم الحر بلا هدف محدد

المشي حول الحي

القيام بتمرين رياضي مصغّر

أخذ غفوة قصيرة لشحن طاقتك

الكتابة التلقائية (المترجم: بحسب ويكيبيديا فإن الكتابة التلقائية هي وسيلة علاج نفسي لتهدئة الذات بالسماح للمرء بإنتاج كلمات بدون وعي كامل بالكتابة. حيث تطفو الكلمات طواعية من اللا وعي.)

مشاهدة الناس

التأمل

اللعب

نود لو طبّقنا التصميم على كل شيء تقريباً هذه الأيام. نحن نتحدث كثيراً عن تصميم مسارنا الوظيفي وتصميم علاقاتنا وحتى تصميم السعادة، ولكن بطرق عدة رئيسية نحن لا ننجح في الانتباه لحيواتنا كما يقوم المصمم أن ينجح.

اسأل نفسك: هل لديك مساحة بيضاء كافية في روتينك اليومي؟ أو أنك تشق طريقك بصعوبة في جدول متراكم بالأعمال يوما بعد يوم غير مُدرك أن ندرة الوقت قد أعاقت ابداعك؟

خذ بعين الاعتبار وضع مساحات بيضاء في جدولك، حيث تقوم بإضافتها مسبقا وقبل عدة أسابيع، فأياً كان ما سيطرأ عليك في الأيام المقبلة سواء كان اجتماعاً أو موعد تسليم نهائي فسيظل لديك وقت شاغر لتفكر بالصورة الكبرى أو حتى أن تُريح عقلك وألا تفكر بشيء نهائيا. لأنك لو استهلكت جميع طاقتك، سينتهي بك المطاف بالخروج عن طورك، كالقطار المندفع عندما يخرج عن مساره.

علي الضويلع

المصدر: موقع زد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى