سوريات في أوروبا.. بصمة لامعة وكسر الصورة النمطية للمرأة الشرقية
تكاثرت إبداعاتهن لتعبر البلدان، لم يشغل تفكيرهن سوى شيء واحد رافقهن في رحلة الشتات بلغ من إضاءته تساؤل هو كيف تثبت ذاتها وتحقق مشروعها لتقدم صورة حقيقية عن بلدها؟ فهي المعلمة الطاهية الرسامة الكيميائية المصممة بسعي منها لتثبت أنها قادرة على العطاء والإنتاج وتنفض غبار الغربة ليحل مكانه اهتمام البلد المستضيف والمضي قدما نحو النجاح. تواصلَ موقع تلفزيون سوريا مع نساء سوريات في أوروبا، كيف بدأت حكايات مشاريعهن وما هي طموحاتهن في المستقبل؟
ملكة جزماتي اكتشفت شغفها بالمطبخ السوري بعد وصولها إلى ألمانيا عام 2015.
تقول ملكة لم تختبر براعتها في الطبخ بسوريا ولم يكن لديها مشروع يتعلق بالطبخ لكنه أصبح بمثابة صلة وصل لتوطيد علاقتها مع الألمان فبدأ مشوارها بالطبخ عبر دعوة زوجها لأصدقائه على الطعام وبعد ثناءات متكررة على لذة طهيها وسّعت مساحة مطبخها لتلبي طلبات حفلات بدعم من بعض الألمان وبعدها أصبح لديها مطعم استضافت فيه كبار الشخصيات السياسية في ألمانيا على رأسهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وأعضاء البرلمان الألماني كما اختيرت أطباق ملكة لتكون على رأس مائدة مهرجان “برلينالي” السينمائي كما تذوق من طبخاتها أهم مئة شخصية ألمانية في العالم .
لم نأت لنكون عبئاً على أي شعب
دوافع ملكة كثيرة وهي تتمثل بإيصال صورة للمجتمع ككل بكسر النظرة النمطية للمرأة العربية المحجبة وشددت بقولها “لم نأت لنكون عبئا على أي شعب، بل جئنا لتأسيس عمل خاص بنا متحملين كل الضغوط لنبلغ النجاح ولم يكن دافع المال من الأولويات”.
أما أهدافها فتتمحور حول جعل المطبخ الشرقي عالميا بكل تفاصيله محاولة من خلال كتابها الذي أنجزته باللغة الألمانية لتروي من خلاله قصص المأكولات السورية بأسلوب بسيط ساعية للمحافظة على تراث بلادها عبر طهي الأطباق الشرقية التي أورثتها الجدات والأمهات لتبقى حاضرة بين الشعوب على اختلاف ثقافاتها.
قدمت ألمانيا لملكة الثقة والدعم العملي واللوجستي، وتعدّ شخصيتها المجبولة بالإرادة وشغفها للإنجاز ودعم من حولها من الأسس المهمة لاستمرارها.
المطبخ رسول ممتاز لنقل ثقافة البلد
تضيف ملكة أن المطبخ بوابة تسهم في كسر الجليد بين الشعوب ورسول ممتاز لنقل حضارة وثقافة البلد وانتشاره في العالم.
تختم ملكة أن الطعام فن مؤثر فقد استطاعت عبر طبخاتها أن تسهم بتحسين ذوق الألمان بما يتعلق بالمأكولات الشرقية لدرجة أنهم بدؤوا بتقييم جودة الأكلات السورية بين المطاعم.
أما سماح معلمة اللغة العربية والقرآن الكريم فجاءت إلى النرويج عام 2015 بعد أن كانت تعمل محاسبة في شركة للصرافة في سوريا وتابعت في نفس المهنة بعد لجوئها إلى لبنان ورغم أن وضعها كان جيدا ومستقرا نوعا معا فإنها استجابت لرغبة أسرتها متجهة معها إلى النرويج للبدء بحياة جديدة.
لم تحبذ سماح فكرة اللجوء ولم تندمج في بداية الأمر لكنها لاحظت بعض المدارس أنها تعلّم اللغة العربية بطريقة غير صحيحة للطلاب.
الغيرة على اللغة أهم دوافعي
ما دفع سماح التي كانت متعطشة لتقديم اللغة العربية بأسلوب يتناسب مع ثقافة النرويج، تواصلت مع عدة مدارس حتى تمكنت من تدريس الطلاب في مدرسة عربية بشكل تطوعي.
وجدت سماح في الأطفال ما يفتقدونه في تعلم الدين الصحيح وتلقيهم معلومات مغلوطة فعندما بدأت بتعليمهم وتصحيح بعض المفاهيم وجدَت نظرة مختلفة للنرويج ووجدت نفسها فيه بحسب وصفها.
سماح اليوم عضو في كل من مجلس الشورى والرابطة الإسلامية في النرويج كما أنها تقوم بإعطاء دروس من المنزل في تعليم القرآن وخضعت لدورات في فرنسا والدنمارك بما يتعلق باللغة العربية والسيرة النبوية لافتة إلى أن أسلوب التدريس في أوروبا مختلف عن البلدان العربية.
سعت سماح لتكبير مشروعها من المنزل وبتشجيع من صديقاتها من خلال دروس “أون لاين” بعد أن استقطبت طلابا من أميركا وكندا وقدمت دروس لغة عربية للناطقين بغيرها، وتدرس الطلاب أيضا لغة نرويجية.
“ما افتقدناه في بلدنا وجدناه هنا في النرويج”
النرويج في رأي سماح بلد يحترم الإنسان وتعدّه بلد الفرص، مطالبة كل شخص باستغلال الفرص المتاحة لتحقيق الذات مضيفة “ما افتقدناه في بلدنا وجدناه هنا في النرويج”.
مضيفة “برغم خجلي في الظهور عبر وسائل التواصل فإن قضاء ساعاتي الروحية مع الأطفال كسر حاجز الخجل.
وتطمح لافتتاح مركز يضم جميع الطلاب من كل أرجاء العالم، وتراوح أعمارهم بين 4 سنوات و 40 سنة، لتلفظ معهم حب اللغة والنطق الصحيح.
حققت مشروعي برأس مال بسيط
لكن غفران ( 29 عاما)، الطالبة في الكلية الافتراضية لقسم الاقتصاد والتي منعتها الحرب من استكمال دراستها قدمت إلى ألمانيا عبر معاملة لم الشمل من قبل زوجها وكانت البداية صعبة بحسب ما قالت غفران وبسبب اتساع مساحة وقت غفران في ألمانيا وسط غياب العلاقات الاجتماعية فإنها اندفعت لتعلم كيفية تصنيع الأحجار المعطرة من خلال مقاطع عبر اليوتيوب بلغات متعددة قامت بترجمتها بمساعدة زوجها واتخذت من الحجر المعطر مجالا جديدا تجذب العرب في ألمانيا من خلاله، فهي تهوى أشغال “الهاند ميد” منذ أن كانت في دمشق حيث عملت في صنع الإكسسوارات، ورغبت في متابعة الإلمام بفنون بناء وتصميم الصمديات والهدايا عبر الحجر المعطر باعتباره مجالا جديدا لا يتقنه إلا القليل في أوروبا بحسب وصفها.
تحضر غفران الأشكال عبر صبها أولا بمادة شبيهة بالجبصين بقوالب خاصة ثم تلونها وتعطرها وفق تصاميم بحسب طلب الزبائن.
كما تقوم بتصميم لوحات وطباعة الأكواب وستيكرات الزينة للحفلات عبر طريقة كريكت مستخدمة ماكينة خاصة بها.
لمست غفران رضى الزبائن بشكل سريع وهي اليوم بصدد تحضير مشروع دمج الورد مع التصاميم وتطمح لتأسيس مركز يلبي طموحاتها عبر تفريغ طاقتها المليئة بالأفكار الجديدة.
الكيمياء… لغة الجمال وتحقيق الذات
مجال مختلف انتقلنا إليه وانا داوود (29 عاما)، وخصصت له كل وقتها عندما قدمت عام 2015 إلى ألمانيا وأنهت دراستها في قسم الكيمياء في جامعة دمشق في حين بدأت “وانا” بتعلم كورسات اللغة وعملت في البداية بائعة ثم انتقلت للعمل في سوبر ماركت لتغطي تكاليف دراستها في حين تنوعت مجالات عملها سعيا منها لسداد نفقات مصاريف دراستها.
وانا كانت تقضي معظم وقتها خارج المنزل لتخرج يومياً من التاسعة صباحا إلى المدرسة ثم تذهب لعملها الذي يبدأ من الثانية ظهرا مستمرا حتى الحادية عشرة ليلا
اعتبرت تلك الفترة من أكثر الأمور صعوبة في الغربة لكنها تجاوزتها متحدية نفسها ورافضة كل أشكال المساعدات فهي تعدّ نفسها قادرة على العمل وتغطية نفقات دراستها التي فور انتهائها منها بدأت تعمل في مركز تجميل لم تستمر به طويلا لأنها فضلت أن تفتتح مركزا صغيرا من منزلها واقتنت أدوات بسيطة وعرفت عن مشروعها في مجال الكيمياء بإعلان في فيس بوك قوبل بالتفاعل ولمست مرونة في التواصل لم تكن تتوقعها وانا بحسب قولها.
أدوات بسيطة …حققت انتشارا كبيرا
الداعم الأول لـ وانا كان زوجها الذي رافقها بكل خطوة في المشروع وصديقاتها اللواتي دعمنها لتوسيع مشروعها عبر الانتشار الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي وازداد عدد الزبائن مما فسح لها المجال بعد ذلك لافتتاح مركز صغير على حسابها الشخصي من دون أن تقترض من الدولة.
أما أهم دوافعها فهي أن تكون شخصية مستقلة تبني مشروعا خاصا بها وستخوض قريبا تحديا جديدا في طب الأعشاب.
جل أهداف وانا أن تتمكن من استكمال دراستها في اختصاص الطب البديل وأن تفتتح أكاديمية خاصة لتعليم التجميل ومؤخرا بدأت بمشروع صغير في مجال الأزياء، وتختم وانا بجملة “ألمانيا قدمت لي فرصة لأحقق ذاتي”.
أما إيمان من (دمشق) فمنذ خمس سنوات سبقها أولادها إلى ألمانيا والتحقت بهم عبر فيزا سياحية استضافتهم ألمانيا وقدمت لهم الدعم الكامل لبداية جديدة.
بعد أن أنهت إيمان دراسة اللغة الألمانية وحصلت على شهادة الـ (B1) بدأت بالتفكير بمشروعها الخاص وكل ما يتعلق بالهدايا لكل المناسبات وتزيين أعياد الميلاد وبوكيهات البالون وذلك لملء وقتها وتأمين دخل إضافي.
من المنزل إلى جميع أرجاء ألمانيا
شغف إيمان بلألوان جعلها تخصص لها مساحتها الخاصة التي تفرغ فيها طاقاتها بحسب وصفها فهي من داخل منزلها تطور مشروعا خاصا بها حيث بدأت بتنسيق علب الهدايا ودمج الورد مع البالونات وكانت فكرة جديدة وعرضت أول أعمالها على زوجها وأولادها فكانوا الداعم والمشجع لها ثم أنشأت صفحة عبر انستغرام وفيس بوك للعرض والترويج.
أثمرت إعلانات إيمان ولاقت نجاحاً كبيراً وخلال فترة قصيرة أصبح كل فرد من عائلتها له عمله الخاص بمواقع التواصل الاجتماعي والتسويق والمبيعات وأصبحوا يقومون بشحن التصاميم الخاصة بهم إلى جميع أرجاء ألمانيا.
تتمنى إيمان في المستقبل القريب أن تفتتح محالّ لبيع الهدايا المميزة وتزيين أعياد الميلاد وخصوصاً أن محال الهدايا في ألمانيا قليلة نسبياً.
من أهم خطط إيمان المستقبلية مخاطبة جميع شرائح المجتمع في ألمانيا.
بقايا شموع أعادت لي النشاط والعمل اليدوي
ريم (30 عاما) محبة للرسم والفنون اليدوية لكنها توقفت عن ممارستهم بسبب الحرب إلا أن المكوث في المنزل بسبب الحجر الصحي في تركيا لفت نظرها لتراكم كمية كبيرة من بقايا شموع في منزلها فقررت أن تستثمر من خلالها شيئا مفيدا لهم، فأعادت تدوير الشموع وبعدئذ اقترحت عليها شقيقتها البدءَ بعمل تصميم أشياء بالشموع، أحضرت ريم المواد الأساسية وبدأت عملها وكان زوجها يساعدها.
غاية ريم من الرسم محاولة لإعادة نشاطها بالفنون اليدوية لتصل تدريجيا نحو الرسم وتحقق هدفها بأن يكون لديها محلّ تجاري تنجز فيه كل الأشياء التي تحبها بدءا من الرسم وصولا إلى الحفر على الخشب والشمع