حياتك فيلم وأنت المُخرج.. كيف غيرت صناعة الأفلام أسلوب حياتي؟
في تلك اللحظة التي يغني فيها الجميع على ليلاه، آثرت أن أرقص على وتر السيناريو ولحن الصراع، أحببت أن تكون رسالتي الأولى ملخصاً لغايتي في الحياة، على اعتبار أنني تلميذ بمدرسة صناعة الأفلام.
وظيفتي الأولى كمُخرج هي أن أنتزعك وأُخرجك من “كوادر” عقلك -التي رسمتَها بإرادتك أو بإرادة مجتمعك- لترى الحياة بزاوية أوسع وتركيز أكبر، وتعيد صياغة سيناريوهاتك من جديد.
حاولت في هذا المقال أن أصنع مقارنة منطقية بين دورة حياة الإنسان ودورة حياة الفيلم، وأستشف المعاني التي يمكن الاستفادة منها في حياتنا. وكما نعلم جميعاً، فإن لكل فيلم بداية ونهاية؛ بطلاً وحكاية؛ زماناً ومكاناً؛ فكرة ورسالة؛ ومجموعة صراعات. كذلك حياتك لها الشيء نفسه، لكن الخطير أنك أنت المُخرج، وعليك أن تتحمل تبعات ذلك أو أن تسمح للآخرين بأن يدرجوك تحت أفلامهم -بدور الكومبارس- ولك الخيار!
إذاً فلنبدأ.. إليك هذه الخطوات العشر لإعادة بناء فيلمك الخاص وقصتك الفريدة.
1 – “حياتك فيلم”
وأنت المخرج ولاعب دور البطولة فيها، فاحرص علی حبكتها وتمكَّن من سيناريوهاتها، ركِّز جيداً على ما يدفع بقصتك نحو الأمام ونحو الأفضل، حاول أن تعيد النظر في كل موقف مستقبلي؛ هل سيخدم رسالة فيلمي أم أنه زائد ولا فائدة منه، حاول أن تستمع وأنت تفك شيفرة الصراع، فما قيمة الحياة بلا دراما، حزن وفرح.. ضعف وقوة.. شدة ورخاء.. أمن وخوف.
2 – “قد تكون كبرى مشاكلنا في الحياة نابعة عن تصوراتنا”
التصورات -أو الأيديولوجيا إن أحببت- تشبه تماماً الكاميرات التي تُستخدم في صناعة الأفلام، فهي الوسيط الذي من خلاله يتم تمرير الواقع حتى يستقر في الذاكرة والوجدان، ثم تُبنى السلوكيات والتصرفات بناء عليه، فالتصور جزء من الواقع، كما أن الصورة جزء من الحقيقة؛ لذلك حاوِل أن تختار العدسات المناسبة لمشهدك؛ فليست جميع العدسات والمنظورات واحدة، بعض المواقف تحتاج منك لتركيز أكثر ودخول لأدق التفاصيل، وبعضها الآخر يكفيك منه المشهد العام واللقطة الواسعة، فقط حاول أن تتقن فن اختيار العدسات وأن تتعامل مع الواقع بالمنطق وحسبما يحتاج.
3 – “لا صورة بلا إضاءة”
يخبرنا علم الفيزياء بأنه لا توجد صور بلا إضاءة؛ لذلك تجد أن درس الإضاءة من أهم الدروس التي يتم تعليمها للمصورين عندما يتعلمون أساسيات التصوير. الإضاءة هي الأداة التي تعطي المصورين القدرة على التلاعب بالظلال ورسم لوحاتهم الفوتوغرافية بشكل أجمل، كذلك هي الحياة، صورة لا تخلو من الظلام والظلال، وحتى تتمكن من رؤيتها ورسمها بشكل أجمل، يجب عليك أن تضيء عناصرها وزواياها بكشافات معرفية تزيل بها ظلال الجهل وظلام الخرافة، وعندما تفكر في إضاءة حياتك يجب أن تدرك أن القراءة -بشكلها الأوسع- هي أفضل أنواع (الإضاءة) على الإطلاق.
4- “التركيز” والعمق الذي يضيفه المصور على العناصر في الصورة يعطيانها تفرداً وجمالية ورونقاً خاصاً تقف مندهشاً أمامه وتشعر بقيمته وعظمته، لا مجال للتشتت وإضاعة الوقت، فالمصور يريد منك فقط أن تنظر في هذا الاتجاه وأن ترى هذا العنصر. كذلك في الحياة، ركِّز على ما تريد، ولا تشتِّت “كادرك” بكثرة العناصر، فجمال الصورة وتأثيرها يتناسبان عكسياً مع كثرة العناصر وتشتتها. ولأن فيلم حياتك مدته أقصر بكثير مما تتوقع، فلا مجال لهدر الوقت، ركِّز في تخصص واحد بمجال واحد وبرسالة واحدة، وهذا يضمن لك الوقت والسرعة والإنجاز والقدرة على التجديد.
5- “فريق الإنتاج استثمارك الرابح”
إنتاج الأفلام صناعة كباقي الصناعات، التي لا يمكن أن تقوم بها بمفردك؛ لذلك يسعى المُخرج وصانع الفيلم دائماً لبناء فريق عمل من المحترفين والمتخصصين بمجالاتهم؛ ليساعده كل منهم في مجاله واختصاصه. في حياتك الشخصية، حاوِل أن تختار فريق معارفك وأصدقائك بذكاء، فهم فريق الإنتاج المساعد، ولهم الدور الأهم في راحتك وتفرُّغك لتفاصيل العمل، وتذكر دائماً أنك أنت المسؤول الأول والأخير.
6 – “المونتاج لغتك الأم”
إن لغة المونتاج في عالم صناعة الأفلام تعني -باختصار- “اختيار المشاهد المناسبة واستثناء المشاهد السيئة”، من هذا المعنى يكفينا أن يكون المونتاج هو لغتنا الأم ومهارة التواصل الأفضل مع مستقبلنا. وكأي لغة تتكون من مصطلحات وقواعد، فلغة المونتاج لها مصطلح واحد وقاعدة واحدة، المصطلح هو “فن الاختيار” والقاعدة الوحيدة هي “مَنتِج ماضيك والمستقبل سيأتيك”، ادرس ماضيك جيداً، ركز على اللقطات الإيجابية منه واستثنِ السلبية، واستمتع بقوة تواصلك مع مستقبلك.
7- “روحك الخاصة”
بعد المونتاج تأتي مرحلة بمثابة السحر، هذه المرحلة تسمى التلوين أو بالإنكليزية Color grading. في هذه المرحلة يتم إعطاء المشاهد صبغة لونية خاصة؛ لإضفاء الحس النفسي للمشهد.
فالمشاهد المشبَّعة بالألوان ذات التباين الحاد تعطي إحساساً بالبهجة والفرح عكس المشاهد أحادية اللون التي تشعرنا بالحزن والتجرد. هذه العملية بمثابة روحك الخاصة التي تضفيها لكل تفاصيل حياتك، هي نكهتك الخاصة المتفردة ولمساتك السحرية في كل تفاعلاتك بالحياة.
8- “المؤثرات.. مؤثرات”
المؤثرات التصويرية والموسيقى هي الروح التي تسري في الفيلم، هي الإحساس الذي يُفرَض عليك من المُخرج، هي الصوت المبطن الذي يتسلل إلى قلبك دون مواعيد ودون استئذان، ومن دونها يصبح الفيلم خالياً من الأحاسيس والمشاعر جافاً ثقيلاً كالجثة الهامدة تماماً. هذه المؤثرات تمثل صوتك الداخلي، ربما ضميرك، وربما أي شيء آخر “قد لا تركز عليه، لكن له أثر كبير في إثراء المشهد وإعطائه الحياة”.
9- “ماذا تريد؟! رسالتك وغايتك”
ما قيمة الفيلم بلا متابعين؟! ربما يكون هذا هو السؤال الوجودي المؤرق لكل المخرجين وصناع الأفلام، ما هي الثيمة التي سيحملها فيلمي؟ ماذا يريد من المشاهدين؟ ما الغاية التي أريد أن أوصلها؟ هذا الفيلم لا يتجاوز الساعتين فما بالك بالعمر! لذلك، يجب أن تسأل نفسك: ماذا سأقدم لهذه الحياة؟ ما الرسالة؟ وما المضمون الذي سأحمله وأقاتل من أجله؟ هل يمكن أن تتصور معلماً بلا تلاميذ، أو كتاباً بلا قراء، أو حتى نادياً رياضياً بلا متدربين؟!
10- “إشكالية التمويل”
يعد التمويل العصب الأساسي للفيلم، ومن دونه لا قيمة لكل ما سبق. وبطبيعة الحال، عندما يكون فيلمك واضح الأهداف والغايات ويحمل رسالة قوية ومؤثرة، ستجد الدعم من الجهات والأفراد المؤمنين بالقيم نفسها التي يقدمها فيلمك. كذلك في حياتك الخاصة، إن كنت واضح الأهداف والغايات فستجد الدعم النفسي والمعنوي والمادي الذي يساندك ويدعمك ويقويك، من المقربين أولاً ومن المؤمنين بك ثانياً.
وفي الختام، يجب أن تطرح على نفسك السؤال الآتي: لو كانت حياتك فيلماً فما هو عنوانه؟
* لمن لا يعرف ما معنى “كادر” فهو بشكل بسيط كالآتي: “لو نظرت الآن عبر نافذة الغرفة للخارج، فإن ما ستراه سيكون محصوراً داخل إطار النافذة، أليس كذلك؟ فالنافذة هي كادر رؤيتك.. إذاً، الكادر في التصوير هو حدود الكاميرا”.
المصدر : خفايا التصوير