حافظ لبنان، خلال هذا العام، على تقدّمه في مجال استدامة منظمات المجتمع المدني، على بعض الدول العربية. فلا تزال مؤشرات هذا القطاع متقدمة على غيره من الدول، وتحديداً مصر والعراق والأردن والمغرب واليمن وقطاع غزة. ولم يأت هذا التقدّم نتيجة تطوّر الواقع اللبناني، بل نتيجة لتراجعه في الدول الأخرى، أو على الأقل نتيجة المحافظة على السياقات السابقة والثبات على نتائج الأعوام الماضية (تراجع ملحوظ في كل من مصر واليمن وغزة). فتشير أحوال منظمات المجتمع المدني اللبناني إلى واقع معاش فيه الكثير من الركود والفساد وتجاوز القوانين، ويقود إلى الإحباط واليأس بشكل عام. وهو شعور عام وإجمالي
على مستوى الصورة العامة للمجتمع المدني، لا يزال لبنان محافظاً على تراجعه نسبة للأعوام السابقة. فمن جهة يستمر الإعلام المحلي في تجاهل قضايا المجتمع المدني، ومن جهة أخرى أسهمت العديد من الفضائح المالية في إضعاف صورة المجتمع المدني وكان أبزرها فضائح الفساد في كل من “أوكسفام”، “يونيسيف” و”سايف ذو شيلدرن”. كما أنّ هذه الصورة مهشّمة نتيجة عوامل أخرى، منها النظرة الاجتماعية العامة القائلة إنّ الهيئات المدنية تقدّم المساعدات للاجئين وتتجاهل المجتمعات الحاضنة. وفي هذه المناسبة، لا بد من الإشارة إلى سلسلة من المواقف الرسمية التي أتت في هذا الاتجّاه، بدءاً من وزراء فاعلين ونواب وقيادات سياسية
إضافة إلى عامل إضافي، أدّى إلى نفور شعبي، أو على الأقل اجتماعي، من الهيئات المدنية، وهو خوض الناشطين والنشاطات الانتخابات النيابية وسط انقسامات حادة في ما بينهم، ما أدى إلى زعزعة صورتهم لدى الناس، على الرغم من نجاح المجتمع المدني في توحيد اللبنانيين في مناسبات سابقة أبزرها أزمة النفايات. فجاءت كل هذه العوامل لتثبّت لبنان عند نقطة 3.9 على مستوى الصورة العامة للمجتمع المدني، مانعة بذلك التقدم المتوالي خلال الأعوام السابقة (إذ كان 4.2 عام 2013) بحسب “الدليل السادس لاستدامة منظمات المجتمع المدني في الشرق الأوسط” الذي أعدّته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) لتغطية تطورات ونمو المجتمع المدني عن عام 2017، أعدّت فيه مؤسسة “مهارات” الشق المتعلّق بلبنان
أما على مستوى البيئة القانونية الحاضنة للمجتمع المدني، لا تزال المنظومة القانونية مبنية على القوانين العثمانية، أو قوانين فترة الانتداب الفرنسي. وتشكو جهات ناشطة عديدة، أفراد ومجموعات، من إعاقات قانونية وبيرقراطية تحول دون تنظيم أحوالهم مدنياً من خلال إنشاء الجمعيات والمؤسسات المدنية. كما سجّل خلال هذا العام، إلغاء تراخيص بعض الجمعيات أو حتى منع السلطات لنشاطات أخرى تحديداً المتعلقة بحقوق المثليين واليوم العالمي لمكافحة رهاب المثلية. كما أنّ من أوجه الضغط الرسمي على الجمعيات، منع الناشطين من إقامة بعض النشاطات في بعض المناطق التي شهدت توترات أمنية (عرسال مثلاً)، فمنعت بذلك التدخلات الإيجابية على المستوى الإنساني والاجتماعي والمعنوي في هذه المناطق. فتراجع مؤشر البيئة القانونية في لبنان من 4.0 عام 2016 إلى 4.1 عام 2017، وهو تراجع مستمر منذ عام 2013 حين كان المؤشر 3.8
واللافت في هذا الإطار، أنّ هذا التراجع حاصل على الرغم من تشريعات أيجابية أساسية قام بها البرلمان، منها إقرار قانون حق الوصول للمعلومات وقانون انتخابي جديد وقانون مكافحة التعذيب وإلغاء المادة 525 من قانون العقوبات (حماية المغتصبين). وإذا كانت هذه القوانين لم تساهم في دعم البيئة القانون للمجتمع المدني، إلا أنها شكّلت أرضية صلبة على مستوى المناصرة. فيمكن اعتبار إقرار هذه القوانين وغيرها (مثل قانون المخطوفين والمخفيين قصراً) خطوة إيجابية تنتظر ممارسة المزيد من الضغوط على القوى السياسية والكتل النيابية لإتمام هذه الخطوات التشريعية، كأصدار المراسيم التنفيذية اللازمة أو استكمال الإصلاح من خلال إلغاء مواد قانونية أخرى، أو إقرار أخرى
وما يمكن الإشارة إليه على هذا المستوى أيضاً، كمّ التجاوزات الحاصلة بحق الناشطين والإعلاميين من قبل أجهزة أمنية مختلفة أبرزها مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية. كما لا يمكن التغاضي عن فرض الرقابة من قبل السلطات ومنع العديد من الأفلام السينمائية لاعتبارات طائفية أو اجتماعية أو حتى سياسية
وسجّل الركود عنواناً مستمراً للمجتمع المدني على مستويات عديدة هي: ديمومة التمويل، القدرة التنظيمية، تقديم الخدمات والبنية التحتية للقطاعات الداعمة للمجتمع المدني. فهذه المستويات مترابطة، من حيث التمويل وتوسيع التنظيم والفرق واللوجيستيات، ووضع خطط العمل الاستراتيجي وصولاً إلى الانجازات التي يمكن تنفيذها على مختلف المستويات. فتراجع تمويل دعم اللاجئين السوريين في لبنان كان له أثراً كبيراً على تمويل الجمعيات من جهة، وتطوير القطاعات الأخرى من جهة ثانية
المصدر : مهارات