مقالات

الري بمياه الصرف الصحي يزيد من الأخطار شمال سوريا

في قرية ربعيتا، بجبل باريشا بريف إدلب الشمالي، يسقي مدين المحمد البندورة والخيار وأنواعًا أخرى من الخضراوات في أرضه التي تمتد على مساحة دونم واحد ملاصقة لمنزله بمياه الصرف الصحي، لا لتلوث بمياه الري المعتادة، ولكن باختياره.

زراعة الخضار بالنسبة لمدين كان هدفها توفير احتياجات المنزل دون الاضطرار لشراء المنتجات الزراعية من المحال. وبالنسبة للرجل الأربعيني، لم يكن شراء صهريج المياه، الذي وصل سعره إلى 90 ليرة تركية، من خيارات التوفير الممكنة.

 

ينتشر الري بمياه الصرف الصحي للأراضي الزراعية في شمال غربي سوريا، نتيجة ارتفاع نسبة الفقر والغلاء، لكن آثارها الصحية والبيئية لا تؤخذ بالحسبان.

مشكلة معروفة الأسباب

“أبو محمد” (30 عامًا)، مزارع من قرية أبين سمعان بريف حلب الغربي، تحفظ على ذكر اسمه الصريح خشية من المخالفة الحكومية، إذ يستخدم مياه الصرف الصحي في ري أرضه التي تبلغ مساحتها 15 دونمًا، المزروعة بالباميا والكوسا والخيار.

برأي “أبو محمد”، فإن تدهور أوضاعه المعيشية، وعدم امتلاكه بئرًا مناسبة للري يحتاج حفرها إلى تكاليف باهظة، مبررات كافية لاستخدام المياه الملوثة لسقاية المزروعات، مشيرًا إلى عدم وجود مياه سطحية كالسدود والأنهار.

معاون وزير الزراعة والري في حكومة “الإنقاذ”، المهندس أحمد الكوان، قال لعنب بلدي، إن تعاميم “الوزارة”، وكان آخرها في أيار الماضي، هدفت لإيقاف ظاهرة السقاية بمياه الصرف الصحي، مع إقرارها مخالفة بإيقاف المزارع ثلاثة أيام، وفرض غرامة مالية عليه، مع قلب المحصول.

وأشار الكوان إلى أن “وزارة الزراعة” تنسق مع المنظمات لإنشاء محطات معالجة لمياه الصرف الصحي، كي تصبح صالحة للاستخدام بالزراعة، وكان آخرها محطة معالجة كفريحمول.

أخطار صحية وبيئية

“لا يختلف اثنان” على الأضرار الصحية لاستخدام مياه الصرف الصحي بسقاية المزروعات، حسبما قال المهندس الزراعي أنس رحمون، لعنب بلدي.

تتمثل الأضرار الصحية بوجود النترات بنسب عالية بمياه الصرف الصحي، التي تختزن في أوراق النباتات المروية، مثل الخس والسلق، وتدخل جسم الإنسان مسببة أمراضًا شتى.

وأضاف رحمون أن بكتيريا “السلمونيلا”، ذات التأثير الخطير على الجهاز الهضمي، توجد بكثرة في مياه الصرف الصحي، إلى جانب بكتيريا “الاشيرشيا كولاي” الضارة للإنسان، والعناصر المعدنية الثقيلة مثل الرصاص والزئبق، عالية السمّيّة، وملوثات كيماوية صناعية وأخرى عضوية تؤثر بشكل سلبي على الصحة.

أما تأثيرات مياه الصرف الصحي على الأرض، حسب رأي المهندس الزراعي، فتتمثل بظاهرة تملّح التربة وتدهورها وتدميرها، وتسرب الملوثات إلى أحواض آبار مياه الشرب وتلويثها، وهو ما عاينه رحمون بنفسه في ريف معرة النعمان الشرقي قبل خمس سنوات، حسبما قال.

لم يكن المزارعون مدركين للأخطار البيئية والصحية للسقاية بمياه الصرف الصحي، حسبما قال المزارع “أبو محمد”، إذ اقتصرت معرفتهم على أن المياه الملوثة تسبب انخفاض الإنتاج في الأراضي الزراعية خلال السنوات المقبلة.

وأشار المزارع الشاب إلى أن السقاية بمياه الصرف الصحي ليست أمرًا جديدًا في المنطقة، لذلك لم يكن المزارعون مقتنعين سابقًا بالأخطار المحتملة التي تحملها المزروعات التي تباع للمدنيين، لكن الحال اختلفت بعد تأكيد الأطباء على الأمراض الناتجة، ما أدى إلى اقتناعهم أخيرًا، “لكن ما يجبر المزارعين على الاستمرار باستخدام مياه الصرف هو الفقر فقط”، على حد قوله.

احتياج سكان المنطقة إلى المياه بازدياد مع ارتفاع درجات الحرارة، ولكنها غير متوفرة بما يكفي لـ63% منهم، حسب تقييم مبادرة “REACH”، الصادر بداية حزيران الحالي والذي تعود بياناته إلى شهر نيسان الماضي، مع وقوف الأسعار المرتفعة لصهاريج المياه كالحاجز الأبرز في وجه تأمينها، ويعد الاقتصاد في استخدامها الوسيلة الأبرز للتعامل مع النقص.

ومع معاناة 29% من النازحين في المنطقة و25% من أهلها من ارتفاع أسعار الغذاء، الذي أصبحت الزراعة الخاصة من أهم المصادر لتأمينه، تنقص كميات الطعام المتوفرة عن حاجة 86% من السكان.

في حين لا يحصل 55% من سكان المنطقة على الخدمات الصحية المطلوبة، ويعوضونها عن طريق توجههم إلى الصيدليات بدل المراكز الصحية لتشخيص أمراضهم والحصول على العلاج.

المصدر : عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى