إدلب “الأخرى”..منشآت عمرانية تخنق حياة النازحين وتحيي خيباتهم
عمر حاج أحمد.
في مشهد يبدو مختلفاً عن أنظار من اعتاد رؤية جموع المخيمات تغطي الشمال السوري، تعرج أبنية ومجمعات سكنية تتجاهل مخيمات تترامى حولها، وعلى بعد بضعة أمتار يكسوها الطين وغبار العراء وأعمال البناء.
لم يعرف الضيق مخبأً في محيا حسين الكواري الذي اعتاد الجلوس أمام خيمته المهترئة، يرنو إلى أعمال بناء مجمعات سكنية قيد الإنشاء غطى غبارها خيمته التي تبعد عنها بضعة أمتار.
أبدى حسين خلال حديثه لأورينت تذمره إزاء هوة الواقع وفارق الحال بينه وبين محيطه الجغرافي، ويقول “عندما أرنو إلى الآخرين كيف يعيشون بالقرب مني وكيف أعيش، أشعر وكأن مصاعب الحياة وقسوتها جبلت برمتها فوق رأسي وحدي، يخيل إلي أحيانا أني قدمت من عالم غريب عن عالمهم”.
ومن بؤس الحال إلى ضيم الجوع في سرمدا، في سبيل إسكات صوت معدته، يقضي أحمد (١٢ عاماً) مساءه واقفاً قبالة السور الحديدي لمطعم “ديزني لاند” ذي الهيكل الضخم والمعلم الترفيهي وسط مدينة إدلب، ينتظر راجياً سخاء أحد زبائن المطعم للتفضل على أحمد ببضع لقيمات علها تطفئ صوت معدته.
تفاقم أزمة الجوع والفقر دفعت بأحمد وإخوته للتوجه عند كل مساء إلى سور المطعم الذي يبعد عن خيمتهم الكائنة غرب إدلب مسافة عشرة أمتار، ريثما يفرغ من جمع أكياس النايلون من حاويات أحد الأحياء الميسورة والمعروفة باسم حي “الضبيط”.
شرخ “عائلي”
يبدو أن التباعد الطبقي والشرخ الاجتماعي الفج بات يصعب فهمه وسط صعوبة المشهد الذي وجد طريقه إلى أفراد العائلة الواحدة بحسب كلام خبير إدارة الحالة بمنظمات المجتمع المدني الناشطة في إدلب٫ الدكتور أحمد الحسن.
وقال الحسن في حديثه لأورينت نت: “للأسف بات المجتمع المدني في ادلب مبني على تناقضات آخذة في التزايد.. وفرة في المطاعم والملاهي والمنتزهات ورؤوس أموال ضخمة، يقابلها تدنٍّ معيشي وبطالة زائدة وآلاف المخيّمات غير المخدمة”.
ولفت الحسن إلى تسلل التناقض في حياة السوريين حتى تماهى مع الحياة اليومية وبات واضحاً بشكل فج ضمن العائلة الواحدة أو التجمّع السكاني الواحد، وهذا له دوره النفسي أكبر بكثير، حسب تعبيره. وأضاف “في الوقت الذي نجد فيه عشرات الأطفال يتهافتون على حاوية نفايات، نجد بالقرب منهم رياض أطفال وعشرات الفعاليات الطفولية”.
فيما يُرجع الباحث الاجتماعي الدكتور حسام القدّ تلك التناقضات إلى حالات الحروب الطويلة، إلا أن الحرب في سوريا كان نصيبها من التناقض أعلى، وبحسب كلام القد فإن الرفاهية والحداثة والبحبوحة الاقتصادية تتمتع بها طبقة اجتماعية لا بأس بها، أبرزهم تجار الأزمة” كالقادة والأمراء والتجار المتحكّمون بالسلع”.
واعتبر الباحث أن منظمات مدنية ودولية ضخت خلال السنوات العشر الماضية على مشاريعها والعاملين فيها من أهالي المدينة ملايين الدولارات، ما جعلهم دوناً عن غيرهم أصحاب ملاءة مالية.
“الطموح” سبب!
بعيداً عن جملة مسببات تناقض الحال والهوة التي لا تخطئها عين الرائي، يعتبر الناشط المدني والإغاثي مدين الإبراهيم أن التفاوت والتناقض المعيشي في ادلب يعود إلى طموح البعض ورغبتهم بتحسين ظروفهم رغم كل القساوة والبشاعة التي يمرون بها، بحسب رأيه.
و وفق الإبراهيم فإن الأموال كثرت بيد عدد ليس بالقليل من الناس، ما جعل إدلب تضجّ بالحياة في جانب من جوانبها، في حين ينام جانبها الآخر في عتمة المخيمات وعلى مقربة من مكب النفايات.
ولفت الإبراهيم في جانب من كلامه إلى أهالي المخيمات بالقول “ليس كل من سكن المخيمات هو فقير وبحاجة للسلة الإغاثية؛ فكما الحرب أفرزت سكان مخيمات ورواد مطاعم، كذلك الطموح واليأس أنتج كلا الطبقتين، حسب رأيه.
ولكن طموح البعض ويأس الآخرين زاد من هذا التناقض ، وليس كل من سكن المدن وارتاد المطاعم هو غنيّ، فكما الحرب أنتجت طبقة غنية وطبقة فقيرة، كذلك الطموح واليأس أنتج كلا الطبقتين، حسب كلام القدّ.
المصدر : اورينت نت